مقالات

من تاريخ الحصن وعشيرة النصيرات

د.عبدالمجيد نصير

شيء من تاريخ النصيرات في الحصن وقبائل أخرى ومن تاريخ الحصن

الأستاذ الدكتور عبد المجيد نصير-أستاذ الشرف-جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية

مجمع اللغة العربية الأردني-الجمعية الأردنية لتاريخ العلوم

مقدمة

قبل قيام امارة شرق الاردن، وفي ظل اهمال الحكومة التركية لشرق الاردن، تنافست القبائل البدوية على بسط نفوذها على الأراضي الزراعية لأهل القرى. ولم يبق للسكان من حماية أنفسهم ومزروعاتهم إلا أن يعقدوا مع القبائل القوية اتفاقاً يدفعون بموجبه مبلغاً سنوياً من المال أو كمية من الحبوب أو عددا من رؤوس الماشية لقاء حمايتهم وحماية مواشيهم ومزروعاتهم من هجمات البدو الآخرين. وكان الخريشا والجبور من بني صخر متسلطين على الحصن والصريح. ومع نهاية الحكم العثماني سنة 1918 زادت تعديات البدو، وقتلوا عددا من شباب الحصن، ومنهم عم أبي زبن السعيد ويوسف أيوب سنة 1919 في أيام الحصاد. ثم رأى أهل الحصن والصريح ان ينضموا لأهل الرمثا تحت زعامة فواز بركات الزعبي (الصويت) في العام 1920 لدحر عدوان بني صخر. واستطاعوا دحرهم. وكانت المرحومة أمي تغني لي

يا كونة كانت عليه                   شرق الحصن قبل الصريح

حديثة ينخى بالعبد                   والعبد عن   ركبه   يطيح

(حديثة الخريشا شيخ الخرشان). كما كنت أسمعها تغني

يا بنت ياللي بالمصيف               طلي    وشوفي   خيلنا

والله يعزك يالصويت                   يا مشلعين    أطنابها

وكان الشاعر الدوقراني قد نظم قصيدة يعلن فيها التمرد على بني صخر، وأنه لن يعطوهم الخاوة، وانهم مجهزون لهم الرجال والسلاح. وقصيدته مشهورة موجهه للخرشان والجبور. ومن أشهر أبياتها:
يا راكبن من عندنا مذعوره @@@ حره ولا حطوا عليها جمالي
ما نوخوها للجمل مهجوره @@@ سبع السنين معفيه وحيالي
تجفل من المحجان والباكوره @@@ وتفز فزيز الطير من المجفالي
خلك كلامن بالورق مسطوره @@@ قولات قافٍ قالهن قوالي
تلفي على الخرشان هم وجبوره @@@ بني صخر مسطرة* العيالي
علمهم ان الخوخ والرمان ….. @@@ والصبر عندنا كوز عسالي
هذي حوران حوّتن مسعوره @@@ حوت بحر تاكل ولا تنكالي
الحصن والصريح فيها نموره @@@ وباقي القرايا ضربها بصالي
كم مهرة من بزرنا مسطوره @@@ تسوى ثمنة الاف عد ريالي
مظروبه بين الحقب وزوره @@@ عنها تعوض مرشحه وعنالي
حي    الولد   واللي   انسحب    جاروره       @@@       بيده      رمى    شره    على      الخيالي

  • مسطرة: أي شجعان. والولد المذكور هو المرحوم يوسف علي (الشولي) بن عبد الرحمن نصير.

تقع الحصن على خط الطول 54َ 35ْ شرقا، وخط عرض 19َ 31ْ شمالا، وتقع جنوب اربد (حاضرة محافظة اربد) بحوالي 8 كم، وشمال عمان بحوالي 80 كم. ترتفع عن البحر بمعدل 600 متر. ويميز الحصن تلها الذي تقارب مساحته 100 دونم. وهو تل صناعي، يرجح أنه قلاع ومساكن كانت تهدم ويبنى فوقها. وآخر قلعة بنيت عليه كانت حوالي 1774، بناها أحمد بن ظاهر العمر الزيداني، بعد أن فرغ من بناء قلعة تبنة ومسجدها. وهو تل دائري تقريبا قطر قاعدته 275 مترا. وسنعود للحديث عن تاريخه الحديث فيما بعد. وهذا التل كنز أثري، يحوي تاريخ الحصن بل تاريخ المنطقة حوله. إلا أن التنقيبات فيه قليلة جدا، وتحتاج إلى جهود فرق عديدة ولسنوات مديدة حتى يبوح بأسراره. على أن الدكتور زيدون المحيسن، من كلية الآثار في جامعة اليرموك، أتحفنا بمعلومات مهمة في محاضرته التي ألقاها في مهرجان القمح والزيتون في خريف 2008 الذي أقيم في منطقة الحصن. وألخص أهم ما جاء فيها.

وكما ذكر الدكتور المحيسن، فإن تاريخ الحصن وتلها موغل في القدم، ابتداء من العصر الحجري النحاسي (3750-3200 ق. م.)، إذ تدل بعض المكتشفات على وجود استيطان في منطقة الحصن. وفي العصر البرونزي المبكر (3200-2000 ق. م.)، قامت ممالك المدن، أي مدينة عاصمة وحولها عدة قرى، ويرجح أن للحصن ومنطقتها نصيبا في ذلك. كما امتد إلى العصر البرونزي المتوسط (2000-1550 ق. م.). ويظهر ازدهار الحصن إبان حكم الأسرة المصرية التاسعة عشرة (1550-1200 ق. م.). واشتهرت منطقة الحصن بزراعة الحبوب والعنب والزيتون. وتكثف الاستيطان في الفترة (1550-1410 ق. م.) التي حوت حكم الملك المصري تحتمس الرابع. وفيما يسمى فترة تل العمارنة (1410-1340 ق. م.) وجدت كثير من الرقم المتعلقة بالأردن شمالا وجنوبا، إذ ضعف الحكم المصري الذي كان مظلة عامة للممالك الصغيرة في سورية. ونقرأ في كثير من هذه الرسائل شكاوى الحكام من التعديات، وطلب النجدة. وفي الفترة (1340-1200 ق. م.) كانت الحصن ذات أهمية كما دل على ذلك كشف مقبرة مقطوعة في شرق التل، بقيت قيد الاستعمال حتى عصر متأخر. وظلت دويلات المدن مع قيام ممالك أوسع في العصر الحديدي (1200-539 ق.م.). وهي فترة قوي فيها النفوذ المصري في سورية. وقد وجد أحد أبناء العمومة ختم الخنفساء المصري صدفة على ظهر التل. وقامت عدة ممالك آرامية في دمشق، ومملكة ذيبان ومملكة عمون في الأردن، ومملكة اسرائيل وعاصمتها شكيم أو السامرة (بجانب نابلس). وقد قامت المملكة الأخيرة في أواخر القرن التاسع قبل الميلاد؛ وكانت جزءا من الحلف الإثني عشري الذي قام لمحاربة الملك الأشوري شلمناصر الثالث (859-824 ق. م.) في معركة قرقرة الشهيرة سنة 854 ق. م. التي ادعى فيها الملك الأشوري النصر على أعدائه. وربما كانت الحصن جزءا من مملكة باشان، إحدى ممالك هذا الحلف.

ودخلت منطقة الحصن في النفوذ الأشوري، على الرغم من تمرد مملكة دمشق وغيرها بين الحين والآخر. ثم صعد العرش الأشوري الملك تغلات فلاصر الثالث (745-727 ق. م.) الذي بدأ سياسة التوسع وضم الأراضي وتعيين ولاة أشوريين. كما اتبع سياسة الترحيل المنظم للشعوب المغلوبة التي شملت أكثر من مئة شعب. وخلفه ابنه شلمنصر الخامس الذي حكم من سنة 726 إلى سنة 722 ق. م. ثم خلفه صارغون الثاني حتى سنة 705 ق. م. وهو الذي حاصر السامرة سنة 721 ق. م. وقهرها، وأجلى من أهلها 27290 نفسا، كما في سجلاته (وكان الأشوريون مولعين بتسجيل كل شيء تقريبا). وأسكن فيها شعوبا أخرى. وانتهت بذلك مملكة إسرائيل (الشمالية)، بينما كانت منطقة يهوذا في بداية حياتها ككيان ما.

ملاحظة: توضح السجلات المختلفة عدم وجود مملكة متحدة كما يدعي الإسرائيليون عاصمتها اورشاليم، وملكاها داوود وسليمان. ثم تجزأت مملكتين: السامرة ويهوذا على يد رحبعام بن سليمان. بل العكس أصح. وهو وجود مملكتين منفصلتين في زمانين غير متطابقين، لم تتحدا.

وجاء بعد الأشوريين الكلدان وعاصمتهم بابل، التي توسعت غربا، واصطدمت بالمصريين، وملكهم نخو، الذي هزمه نبوخد نصر في معركة كركميش. وانتهت مملكة يهوذا على يد الكلدان سنة 586 ق.م. ودخلت المنطقة في النفوذ الكلداني. ثم دخلت في النفوذ الفارسي حتى احتلال الإسكندر المكدوني. ومن بعده (332 ق.م.) صارت سورية من نصيب المملكة السلوقية. وفي أثناء ذلك قامت عدة ممالك في سوربة، لعل أهمها مملكة الأنباط. ثم دخلت المنطقة في النفوذ الروماني منذ 63 ق. م. حتى 324 م. وفي أثناء ذلك ظهر حلف المدن العشرة (الديكابوليس)، وربما كانت ديون (أو ديوم) هي الحصن، وبخاصة أن الأسماء الهلينية قد تختلف عن الأسماء الحقيقية؛ مثلا: بيلا – طبقة فحل، فيلادلفيا – عمان، جدارا – أم قيس، كابيتوليس – بيت رأس.

ومنذ 324 بعد رفع الاضطهاد عن النصارى، ثم اعتناق الامبراطور قسطنطين النصرانية، بدأ عصر جديد، تميز ببناء الكنائس. ولا بد أن للحصن نصيبا من كنائس وقصور، يشهد على ذلك كثرة الأماكن المبلطة بالفسيفساء، أحدها شمال دارنا في بداية الطريق إلى الصريح. وبدأ العصر البيزنطي حتى الفتح الإسلامي منذ 640 م.

ونعلم أن منطقة جنوب سورية ازدهرت أيام الأمويين الذين أولوا عناية خاصة بها. فغرب النهر، صار بناء المسجد الأقصى، ومساجد أخرى. وشرق النهر شيدت القلاع لحفظ الطرق، ومنها قلعة أموية آثارها في الجزء الجنوبي من التل، مربعة الشكل ضلعها 100م، وتحوي مصلى صغيرا أبعاده 3.5 × 3 متر، يتسع لعشرة مصلين، يظن انه كان لحرس القلعة. كما بنيت قصور في الصحراء للخلفاء والأمراء يأوون إليها وهم يمارسون هواية الصيد، وحياة البرية.

وربما كان اسمها منذ العصر الأموي أو قبل ذلك مقدية أو حصن مقدية. ويذكر البكري في “معجم ما استعجم” أن مقدية هي قرية من قرى البثنية، وهي تقع إلى الجنوب من حوران، مدينتها أذرعات، تجاور أرض البلقاء وعمان. ويذكر أنها أطيب بلاد الله خمرا، ومنها كانت تصطفي ملوك غسان الخمر، وكذلك عبد الملك بن مروان. ويذكر ياقوت الحموي في “معجم البلدان” مقدية وحصن مقدية. أما مقدية فقد عرفها بأنها قرية بناحية دمشق من اعمال أذرعات، تقع في طرف حوران. ويذكر لسان العرب في باب (مقد): “مَقَدٌ من قرى البثنية. والمقْدِية خفيفة الدال، قرية بالشام من عمل الأردن، والشراب منسوب إليها. وذكر غيره: المَقَدي مخفف الدال شراب منسوب إلى قرية بالشام يُتخذ من العسل. وقال الشاعر:

علل القوم قليلا                          يا ابن بنت الفارسية

إنهم قد عاقروا اليو                         م شرابا مقديّة

وأنشد الليث:

مَقَدِيّ أحله الله للناس         شرابا وما تحل الشمول

. . . وأن المقَدّيّ منسوب إلى مَقَدّ، وهي قرية بدمشق في الجبل المشرف على الغور”. (ولنا أن ندرك أن علم الأقدمين بدقة المواضع الجغرافية كان ضعيفا).

كما نجد ذكرها في الشعر الأموي. يدل على ذلك شعر عدي بن الرقاع، الذي ذكرها وذكر موقعا قريبا منها هو حديجة أو حديجاء التي ذكر كرمها وخمرتها في قصيدة له مدح فيها الوليد بن عبد الملك مطلعها:

غُشيتُ بعفرى أو برجلتها معا             رمادا وأحجارا بقين بها سفعا

إلى قوله:

مَقدّيّة صهباء تثخن شربها                إذا ما أرادوا أن يراحوا بها صرعى

عصارة كرم من حُديجاء لم يكن          منـابتـهــا مستـحدثـــات ولا  قـــرعــى

وحديجاء من الفعل حدج، والحدوج مراكب النساء، واحدها حدج وحُداجة. ولعدي هذا قوله:

يا شوق ما لك يوم بان حدوجهم          من ذي المويقع غدوة فرآها

بل إن شهرة خمرة مقدية نجدها في شعر جاهلي، كما قال عمرو بن معد يكرب:

وهم تركوا ابن كبشة مسلحيّا                         فقد شغلوه عن شرب المقدّ

وقال غيره:

كأن مدامة مما حوى الحانوت من مقد                يصفق صفوها بالمسك والكافور والشهد

والمقدي شراب يتخذ من العسل، كما جاء في تاج العروس. وكانت الخلفاء من بني أمية تشربه. ويذكر الأستاذ ركاد نصير وجود موقع قريب من حديجاء يسمى “بيارة العسل”. فهل يعني ذلك أنه مكان لخزن العسل؟ كما أن المقدية ضرب من الثياب كما قال ابن دريد في “جمهرة اللغة”. وإذا أدركنا أن ياقوت وغيره لم يزوروا كل ما كتبوا عنه، واستفادوا من كتابات الآخرين، فإني أرجح أن مقدية وحصن مقدية هما شيء واحد.

ولا نعرف إن بقيت عامرة طيلة الحكم العباسي والدويلات التي كانت ضمنه (الإخشيديون، الفاطميون، الأيوبيون، المماليك). وحصن مقدية الذي هو من أعمال أذرعات من أعمال دمشق، ينسب إليه الأسود بن مروان المقدي الحصني المتوفي سنة 360 هـ (حوالي 972 م)، وهو من أهل الحديث. أي أن هذا المكان كان عامرا في القرن العاشر الميلادي. كما ولادة الشيخ أبو بكر تقي الدين بن محمد الحصني في الحصن سنة 752 هـ/ 1351 م ينبئ أن الحصن كانت عامرة آنئذ. وتميز العثمانيون بتدوين سجلات الطابو لقرى المنطقة سنة فسنة، ذاكرين السكان عزبا ومتزوجين، وعدد الخانات (المنازل)، ووجود أغراب أو أئمة، إضافة إلى منتوجاتها الزراعية والحيوانية. ويتضح من هذه السجلات أن الحصن (كغيرها) من القرى كانت تعمر سنوات، وتهجر سنوات. وسبب ذلك شعور الناس بالأمن. كذلك نجد ذكر قرى حولها مثل حديجاء وراكسة وطيارّة، ومزارع مثل الدهما وأم الآبار وسعوة وبيضة (وجميعا تقع الآن ضمن حدود أراضي الحصن).

ونجد ذكر الحصن في دفتر طابو رقم 401 (سنة 1543) على أنها مركز ناحية بني عقبة (وبنو عقبة من جذام كانت منازلهم حول الكرك منذ الفتح الإسلامي، لكنهم في القرن التاسع عشر انتقلوا شمالا). وتشمل ناحية بني عقبة قرى رحابة والحصن وسراس والكفير ومسكايا وصمد ودير المساريط وراكسة. ومركز زعامة بني عقبة كان في الحصن. وفي سنة 1596 كان يقطنها 24 عائلة، و15 عزبا، وتنتج الحنطة والشعير والحمص والخضار، وتربي الأغنام. وملك أبو قاعود الحصن بعد منتصف القرن السابع عشر. ثم دخلت الحصن في ناحية بني عطية منذ أواخر القرن السادس عشر. وتضم هذه الناحية أيضا قرى: دير مصاريط وصمد ومسكاية واسراس وكفير ورحابة وراعية. وسمية ناحية بني عطية نسبة إلى القبيلة العربية بين عطية، الني انتشرت في شمال الحجاز. ومنهم في الأردن من يدعون اليوم العطاونة. (ورقة حضرها الأستاذ ركاد نصير). كما نشأت في الفترة نفسها ناحية الأعسر من 29 قرية ليست الحصن إحداها، مع أنها جغرافيا تقع في هذه الناحية. ولا يوجد لها ذكر في دفتري الطابو سنتي 1523، 1543، ولكنها مذكورة في دفتر الطابو لسنة 1596. وعن هذه الناحية يمكن مراجعة بحث د. محمد عدنان البخيت “ناحية بني الأعسر في القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي” المنشور في “دراسات” العدد السابع، المجلد الخامس عشر (1988). ولا نعرف بالدقة من هم بنو الأعسر، أو الأعصر كما يدعي الأستاذ ركاد نصير. وهو ينسبهم إلى جدهم أعصر، من قيس عيلان من عدنان. ويرجح أن بني عبيد نسبة إلى عبيد، الحفيد السابع للجد أعصر كما يلي:

أعصر – غني – غنم – حُلان – كعب – عوف – سعد – عبيد.

وللأستاذ ركاد ورقة أخرى يثبت ان زمن الجيل عند العرب هو ستون عاما. فهل من فائدة لذلك لتحديد الأزمان. وسنعلق على تسمية بني عبيد في فقرة قادمة.

واهتم العثمانيون بالأمن في شرق الأردن بما يتعلق بسلامة الحجاج. وعندما حجت ابنة السلطان سليمان القانوني سالكة الطريق الرومانية القديمة، ووجدت أنها متعبة لكثرة المنحدرات والوعر، أمرت تغيير الطريق في العودة، وسلكت الطريق القريب حاليا من الطريق الصحراوي إلى المدورة الذي عرف بطريق البنت. وبنى العثمانيون قلاع معان والحسا والقطرانة لحماية هذا الطريق. وفي بداية القرن السابع عشر لمع نجم الأمير فخر الدين المعني الكبير في لبنان وامتد نفوذه إلى شرق الأردن.

وظل العثمانيون يعتمدون على شيوخ القبائل المحيطة بطريق الحج لسلامة الحجاج مقابل أعطيات سنوية. على أن أمير الحج علي باشا سنة 1753 حجب جزءا من هذه الأعطيات، فهاج البدو وهاجموا قوافل الحجاج في السنة التالية، واضطر علي باشا أن يدفع لهم للسماح للحجاج بمواصلة المسير. وبأمر من حكومة إستانبول انتقم الوالي عبد الله باشا الشتجي من شيوخ البدو في السنة التالية، بعد أن دعاهم إلى دمشق وأمنهم على أنفسهم، وهناك أعدمهم. فانتقم البدو منه في السنة التالية، عندما حاصروا الحجيج في منطقة القطرانة، ولجأ الباشا إلى قلعة القطرانة. ولكن المهاجمين قتلوا من قافلة الحجيج (وعددهم ستون ألفا) عشرين ألفا، واستعبدوا جزءا منهم، كما أن حر الصحراء والعطش تكفلا بموت جزء منهم. وغنموا غنائم هائلة، ومنه أكياس فيها لآلئ ظنها البدو أرزّا وحاولوا طبخها. بل جرى بيع بعض هذه الغنائم في عكا تحت سمع وبصر حاكم تلك المنطقة ظاهر العمر الزيداني. ولم يكن احتراما كثيرا للسلطة العثمانية.

وقويت شوكة ظاهر العمر في منتصف القرن الثامن عشر، بعد أن كان أبوه عمر حاكما لمنطقة عكا من قبل الأمير الشهابي. ونجح ظاهر منذ سنة 1740 في أن يكون حاكم عكا وما حولها. وبدأ يمد نفوذه. ومع سنة 1760 نجح في ضم الساحل من صيدا إلى يافا، وفي الداخل إلى نابلس وصفد وعجلون. وأرسل ابنه أحمد إلى منطقة عجلون الذي بنى في تبنة مسجدا وقلعة سنة 1769. ثم انتقل إلى الحصن. وبدأ بناية القلعة والسور على ظهر تل الحصن. وكان شيخ الحصن آنئذ الجد ابراهيم بن مصطفى نصير (نسبي هو: عبد المجيد قاسم محمد سعيد عبد الرحمن كايد ابراهيم). وعندنا وثيقة عثمانية تاريخها 19 رمضان 1180 هـ، الموافق 18 شباط 1766 تذكر أن أمير الحج في ذلك العام (وعثمان باشا بن عبد الله الكرجي – أي أصله من جورجيا، الملقب بالصادق، وكان واليا على دمشق من 1760 إلى 1771) استأجر 159 جملا من مشايخ قرى حوران لنقل ذخائره. والشيوخ هم موسى بن حمد شيخ طايفة بني عبيد، وابراهيم بن مصطفى نصير شيخ قرية الحصن، وعبد الله بن عيسى البطين شيخ قرية كفر يوبا، وصبح بن حمدان شيخ قرية البارحة، وأبو بكر بن صالح كريزم شيخ قرية اربد. على أي حال، قويت شوكة ظاهر العمر بمساعدة الروس، وحاولت الدولة العثمانية قهره، وقاد إحدى الحملات عثمان باشا المذكور أعلاه، ولم يفلح؛ إلى أن تعاون الجيش المصري بقيادة أحمد الجزار (وكان مصطفى باشا طوقان واليا على مصر)، مع الحملة التركية، وقهروا ظاهر العمر سنة 1777. ومن بعده، صار الجزار حاكما لعكا. ثم وسع دائرة نفوذه إلى صفد وأجزاء من عجلون. ولمع نجمه عندما استطاع أن يقاوم نابليون في حصاره عكا ويرده خائبا عن أسوارها.

ونلاحظ أن موسى بن حمد هو شيخ طايفة بني عبيد، أي أنه ليس شيخ قرية أو شيخ عشيرة؛ وأرجح أن هذه الطائفة هي مجموعة غير متجانسة من الناس. وربما مجموعة موسى بن حمد هم الأقوى، لأن مجموعته الخاصة هي كذلك. فاستحق موسى أن يكون شيخ هذه الطائفة. ويتضح أنهم كانوا رحّلا في المنطقة غير مستقرين في مكان واحد. ولسبب لا نعرفه نشأت ناحية جديدة باسمهم. وقد يكون ذلك مع نهاية القرن الثامن عشر. على أن د. نواف شطناوي كتب لي في ورقة خاصة أن بني عبيد من بني الأعسر، عرفوا بذلك كما في دفتر طابو رقم 275 لسنة 958هـ/1551م. ويقوي ذلك ما نقلناه عن الأستاذ ركاد نصير أعلاه. ويلاحظ أنه كان للنواحي شيوخ مشايخ او أمراء؛ ولا نجد مثل ذلك لناحية بني عبيد حتى النصف الأول من القرن التاسع عشر. وأضيف لذلك ما تناقلناه عن الأجداد، من أن والي الشام استدعى شيخ الحصن، محمد بن إبراهيم، إلى دمشق، ربما في بداية القرن التاسع عشر، لتنصيبه شيخ مشايخ، لكنه مات في أثناء عودته وقبه في الصنمين. ثم استدعت الدولة شيوخا من شمال الأردن إلى إربد سنة 1825، ومنهم الشريدة وابن عزام وكايد بن إبراهيم (شقيق محمد) وعبد الله الغانم، لاختيار أحدهم شيخ مشايخ. وأعجب الدولة كل من كايد وعبد الله، وحسدهما الشريدة وابن العزام، وتآمرا على قلهما. وقتل الشريد كايد في منطقة الشيخ خليل في اربد وأنقذت فرس عبد الله صاحبها. ونجد ذكر ناحية بني عبيد في مذكرات بيركهارت الذي زار الحصن سنة1812 ووصفها بأنها القرية الرئيسة في هذه الناحية.

ثم جاءت مرحلة التوسع السعودي الوهابي في الأردن، لكنه لم يصل إلى منطقة عجلون. ثم كان دور الحاكم الجديد لمصر، محمد علي، ليدحر الوهابيين، ويدك عاصمتهم، الدرعية سنة 1818، بعد أن وعده السلطان بحكم سورية. ومع أن نفوذه توسع زيادة على مصر، فإن السلطان لم يمنحه سورية. فأرسل ابراهيم باشا على رأس حملة عسكرية ودخل بلاد الشام. ومع قيام مقاومات هنا وهناك في أثناء الاحتلال المصري، وقد قمعت بقوة، إلا أن منطقة الحصن لم تشارك في الثورات. بل كما ذكر الجدود أن أحد كبار الضباط دخل الحصن، واستقبله الجد عبد الرحمن بن كايد واستضافه. بل أُعجب هذا القائد بإحدى أخوات عبد الرحمن الذي اعتذر عن عدم قبول خطبته لها. وبعد ارتداد الجيش المصري عن سورية، وعودته إلى مصر، أخذ الجد عبد الرحمن فرسين عربيين أصيلين إلى مصر هدية لهذا القائد. فأهداه القائد ذهبا وأوصله إلى حدود مصر في العريش. وحتى لا يقتله لصوص الطريق من أجل الذهب، اشترى بغلتين وقربا ملأها بالقطران، ووضع الذهب داخلها. فصار تاجر قطران. ومن يريد أن ينهب القطران ويفوز برائحته المزعجة؟ ووصل الذهب سالما إلى التل. ولا يعرف عنه شيء بعد ذلك. وأخبرني الوالد، رحمه الله، أن جده سعيد بن عبد الرحمن، وكان آخر من سكن قلعة التل، قد أمر أولاده أن يحفروا أرضيات غرف القلعة واحدة واحدة ولم يعثروا على شيء.

وقد يكون القرن التاسع عشر من عصور الحصن الذهبية. فقد نعمت بفترات من الهدوء، ونزحت إليها أكثر القبائل المسيحية، جاؤوا من بصرى وإزرع والجولان وعدة قرى في فلسطين. وترسخت ناحية بين عبيد، وثبت اسمها. وزارها عدد من الرحالة. وبدأت طوائف النصارى ببناء كنائس، وفتح مدارس، من هذه الطوائف والحكومة. وزاد عدد سكانها حتى صارت أكبر قرية في شمال الأردن. وربما كانت أغنى هذه القرى، وأكثرها تنوعا في السكان والثروة. وتوسعت حدود أراضيها الزراعية. وسنوضح ذلك بقليل من التفصيل فيما يلي.

دخلت الحصن، مثل غيرها من قرى عجلون، في الحكم المصري. ومع قيام عدة ثورات ضد استبداد هذا الحكم وكثر مظالمه، فإنه لم يذكر شيء عن مشاركة الحصن أو شيخها (عبد الرحمن بن كايد بن ابراهيم) في هذه الثورات. وتفسيري أن مسارعة عبد الرحمن للانضمام إلى الحملة المصرية حوّله من عدو إلى حليف. وبعد زوال الحكم المصري (1841) دخلت شرق الأردن في فوضى تتكاثر فيها الحروب بين أحلاف تقودها عشائر بدوية (بنو صخر والعدوان وغيرهم). ولا نعرف شيئا عن تفاصيل السكان أو المنتوجات من السجلات العثمانية. وقد أخبرتني د. هند أبو الشعر في مكالمة هاتفية (مساء الجمعة 3/5/2013) أنها أحضرت من إستانبول كل ما وجدته من وثائق تتعلق بالحصن. ونحن ننتظر قراءتها واستخلاص ما فيها.

مع بداية القرن التاسع عشر زاد عدد السكان، وزادت نسبة النصارى فيهم. فقد ذكر بيركهارت (1812) أن سكان الحصن حوالي 100 عائلة، منها 25 نصارى، أغلبهم روم ارثوذكس. لكن بكنجهام (1821) ذكر أن سكان الحصن حوالي 200 منهم 14 أو 15 نصارى. وأظن أن أرقامه غير صحيحة. ففي ذلك الوقت كان في الحصن من النصارى آل غنما (الغانم) وآل أيوب والنمري وعماري وربما غيرهم. كما يذكر أن بيت الشيخ على التل.

آل غنما أصلا من منطقة الكرك من بقايا نصارى العرب. ولهم في سبب ارتحالهم من الكرك قصة. إذ رحلوا أولا إلى منطقة رام الله، ولم تطب لهم الإقامة فيها. ثم رحلوا إلى فيق في حوران، ثم إلى علعال. وفي علعال زار شيخهم عبد الله الغانم سعيد باشا مع سبعين خيالا، وأحسن عبد الله ضيافتهم. وبعد مدة انتقلوا إلى الصريح، وأخيرا استقروا في الحصن. وعبد الله هو الذي نزل عنده الرحالة الذين ذكرناهم آنفا. وكان على علاقة قوية مع شيخ الحصن ابن نصير. وحفظ الأبناء والأحفاد طيب العلاقة. واستدعى عبد الله كاهنا ليقوم بالخدمة الدينية للنصارى الروم الأرثوذكس هو عيسى جوينات. وهكذا زاد سكان الحصن جماعة أخرى.

وربما جاء بعد ذلك أيوب نويصر (جد آل أيوب) من عولم بجوار الناصرة، وأصلهم من بصرى اسكي شام. وقد يكون ذلك قبل 1780، لأن هذا هو تاريخ بناء مضافتهم. ولا شك أن علاقة قوية جمعتهم مع آل نصير. وقد وجدت في أوراق سلطي باشا (بن ابراهيم بن أيوب) أن عبد الرحمن بن كايد نصير جاء من صما، وقيل له إن أيوب مات. فجاء وكشف عن وجهه وقال: إنه أزين من يوم ما زفيناه من سوم الشناق. (وأقدر موته قبل سنة 1850). وقد عاش ايوب 110 سنوات، وعاش ابنه ابراهيم 70 سنة، وعاش سلطي أكثر من 108 سنوات (مات سنة 1964).

وجاء بعد آل أيوب ناصر عباسي جد العمامرة، وعبد الله عيسى أبو الشعر. وكان هذا في أيام كايد نصير (قتل سنة 1825). وجد آل النمري هو عبد الله القلزي. والقزي لقب للكتاب المحاسبين. لأن عبد الله كان كاتبا عند الأمير الغزاوي. وأصلهم من بصري اسكي شام.

في هذه الفترة وحوالي 1855-1860 استطاع حلف رباعي من محمد الهنداوي وعبد الرحمن حلوش وعبد الله الخليل وعبد العزيز الناصر وأخيه عبد الله، أن يغلب النصيرات في الحصن ويسكن القلعة. وجلا عبد الرحمن نصير وحلفاؤه إلى النعيمة. إلا أن سيرة بعض رجال هذا الحلف مع النصارى لم تكن حسنة. وكان أهل الحصن يستقون من سيح محل مبنى البلدية الحالي. ولم يكن أكثر الرجال يلبسون السراويل. ولذلك عندما كانوا ينشلون الماء كان أحد عمالهم يضع طرف ثوبه في حزامه أو في فمه، وقد تبين عورته. واحتج النصارى على هذا الفعل القبيح، حتى إن سيدة من آل النمري (نزهة)، ضربته بالدلو على وسطه. واتفق النصارى على العمل لإخراج هذا الحلف. وهذا يخالف ما ذكره د. أحمد صدقي شقيرات وغيره أن إخراج النصارى كان بمشورة ومساعدة من الشريدة. فذهب وفد من نصارى الحصن إلى الجد عبد الرحمن في النعيمة، نادمين على خذلانهم إياه فيما سبق، واستعدادهم للوقوف معه. فأرشدهم إلى أن أحسن السبل للخلاص منهم هو الذهاب إلى دمشق والاتصال بالقناصل الأوربيين ليضغطوا على الوالي العثماني ليأمر بإخراجهم. وهكذا كان. وبعده قدم مسيحيو الحصن عرض حال لقائم مقام سنجق عجلون، الذي جمع المجلس التنفيذي للسنجق (ويتألف من كبار الموظفين والمخاتير). وأصدر قرارا بإخراج هذا الحلف من الحصن، مع أمور اخرى كما في الوثيقة المرفقة. وكان ذلك في تموز 1869. وأخبرني أبي أن خروجهم كان في عيد الأضحى، وأنهم عيّدوا على البيادر. ورجع الجد عبد الرحمن إلى الحصن وسكن التل، ومعه أقرباؤه المسمون “العبود”، الذين سكنوا في البلدة قريبا من المسجد القديم. ويقولون إنهم من النصيرات، ولم أتمكن من توثيق ذلك. وتزوج محمود فنيش وكايد محمد وعقلة محمد وزبن السعيد من العبود. ويقال إن العبود كانوا كثيري الإزعاج، فرحّلهم عبد الرحمن إلى النعيمة – درعا، وأحضر محلهم محمد الهرش من كناكر قريبا من درعا. وكان محمد صاحب علم شرعي وصار إماما للمسجد فلقب بالشرع، وهذا هو الاسم المعروف به أحفاده. ورجع مع عبد الرحمن علي وولداه محمود وصالح المغير، وكان لهما ابن عم موسى في زور كفرة غرب نهر الأردن، فأحضراه. وهؤلاء الثلاثة هم أجداد عشيرة المغايرة. وأقدر أن مدة مكوث الحلف الرباعي من 10 إلى 15 سنة. لأنهم أول من قبر في التل أمام مقام الحصني، كما أخبرتني جدتي بورة محمد السعد، وكان عدد قبورهم ستة أو سبعة. ودخلت الحصن ومنطقة شرق الأردن في الإدارة العثمانية المباشرة بعد صدور فرمان التنظيمات سنة1864. وكانت تابعة لسنجق عجلون الذي مركزه اربد، ويديره قائم مقام، ومعه مجلس تنفيذي. وسنجق عجلون جزء من لواء حوران الذي مركزه درعا. ولواء حوران تابع لولاية الشام. ومنذ 1969 صار لسنجق عجلون مجلس إدارة قضاء. وكان أعضاؤه المحليون منتخبين أو معينين. ومدته سنة قابلة للتجديد. وعدد أعضائه من 3 إلى 7. ولا شك بوجود تنافس على العضوية بما تعني من زعامة. وتفيدنا شكاوى على بعض الإداريين، من أنهم كانوا يطلبون رشاوي من أجل التعيين. وضمت ناحية بني عبيد سنة 1871 قرى: الحصن (وفيها يقيم الشيخ) والصريح وإيدون وناطفة وهام وحبكا وجحفية وصمد وكتم والنعيمة وشطنا وصخرة والمزار. ومن سالنامة 1893 نجد أن في الحصن مكتبا ابتدائيا (مدرسة رشدية) للذكور. وتذكر سالنامة 1896 مكتبا لإناث في الحصن. لكن مدرسة الروم الأرثوذكس للذكور بدأت سنة 1870، كما تأسست مدرسة أخرى للروم اللاتين سنة 1890. وظلت مدرسة الحصن الرسمية قائمة حتى السادس الإبتدائي، وبني لها مبنى مستقل تصدع في زلزال 1927، وهدم في أوائل الخمسينات وبنيت مدرسة بالتقسيط لأن البناء كان على حساب البلدية. وكان مدير المدرسة سنة 1926 مصطفى وهبي التل، وكان أبي أحد طلابها. وأخبرني الوالد أنه كثيرا ما أغلق المدير المدرسة احتجاجا على الحكومة. والتحقتُ بالمدرسة الرسمية في الصف الثاني الإبتدائي سنة 1948، في المبنى المتصدع. وكنا صفين في الغرفة الواحدة: الثاني والثالث. ودلفت المدرسة في السنة التالية وصارت خطرا على الطلاب، فاستأجرت الوزارة علالي عصفور. ثم استأجرت دار محسن أبو عبيد. وتضم شبكة مدارس الحصن الرسمية هذا العام (2013) 14 مدرسة رسمية للذكور والإناث، عدا عدة مدارس خاصة.

وقد تكون الحصن أكثر مدن الأردن نسبة في الدرجات الجامعية. ولا أظن أن أحدا من أهل الحصن دون الستين من العمر هو أمي. وتفتخر الحصن بأن اول درجة دكتوراه في الأردن نالها شاب من الحصن هو عقيل أبو الشعر من مواليد 1893، الذي حصل على الدكتوراه من جامعة السوربون في باريس سنة 1921. لكنه هاجر إلى الدومينيكان ووصل إلى منصب وزير الخارجية. ومن أبناء الحصن الدكتور خليل السالم الذي حصل على درجة البكالوريوس من الجامعة الأمريكية في بيروت سنة 1940.

وكان اقتصاد أهل الحصن يعتمد على الزراعة وتربية المواشي. وساعد على ذلك اتساع الرقعة الزراعية (57 ألف دونم) وتنوع الأرض. وكان أهل الحصن يزرعون الحبوب بأنواعها: القمح والشعير والكرسنة والعدس والذرة البيضاء والسمسم، وبعض الزراعات الصيفية كالبطيخ والقثاء وأمثال ذلك. وكانت جميعا زراعة بعل، تعتمد ماء السماء. (بعل هو إله الخصب لدى الكنعانيين). وكانت سوق الحصن محط تصريف فواكه التين والعنب والصبر وغير ذلك مما اشتهرت به قرى حولها. ومع نشوء البلدية وجد قسم “الباج”، كلمة تركية تتعلق بالضرائب على ما يباع في السوق، بما فيه الحيوانات. وكانت الحراثة تعتمد على الثيران للحيازات الكبيرة نسبيا. وتقاس ثروة شخص ما بأن حيازته “مشد فدان” أو “فدانين”. والفدان هو زوج من الثيران. وغالبا ما يستأجر الفلاح الحصني حراثا من فقراء الحصن أو القرى حولها على نسبة من الغلة. أما صاحب الحيازة الصغيرة نسبيا فقد يكون حراث نفسه ويستعمل الخيل، وتسمى “اكديش أو اكديشة”. (كدش، الكدش هو السوْق والاستحثاث – كلمة فصيحة)، تمييزا عن الخيل الأصيلة غير الممتهنة. وكان بعض اهل الحصن يقتنون (يملكون) خيلا أصيلة، يحافظون على نسبها المميز. وتقاس الأرض بالقيراط، وتختلف مساحته اختلافا يسيرا حتى في البلد الواحد. والربعة هي 24 قيراط، والثمنة هي 12 قيراط، ونصف الثمنة هي 3 قراريط. وللمقارنة، فإن حيازات أبي في الحصن كانت ثلاثة قراريط ونصف، في أربع مواقع. فقيراط أرض شمشان (كلمة كنعانية تعني الشمس) كان حوالي 12 دونما، بينما قيراط المزاهر حوالي 8 دونمات. وكان يحرث لنفسه أكثر السنوات مستخدما اكديشا أو اكديشة. ونقل القش المحصود إلى البيدر كان يتم على جمال يستأجرها الفلاح من البدو. أما دراسة الزروع المحصودة (أي تقطيع المحصود ليصار إلى فصل الحب عن القش الذي يسمى التبن) فكانت تقوم على زوج من البقر أو الحمير أو اكديش. على أن آداب الزرع والحصاد وما يتعلق بها تحتاج إلى مقالة منفصلة. وكانت الحصن إحدى القرى التي تصدر كثيرا من محاصيلها إلى القرى حولها أو إلى عكا في فلسطين، تنقل على الجمال قبل عصر الشاحنات والقطار. وبسبب توفر التبن والعلف والرعاة كان لأهل الحصن عدد وافر من الأغنام، ربما زاد على 50 ألف من الغنم؛ إضافة إلى البقر. ومن ليس عنده الكثير فإن عنده القليل لاستهلاكه، ويسمى “منوحة”. وكانت الغنم تعطى لراع بدوي على جزء من الناتج يسمى “أفلاج”. وكانت الناس تنتج من الحليب السمن والجميد واللبنة والجبنة والكشك، لاستهلاك أهل الدار، ويباع الفائض.  وعندما كان أجدادي شيوخ الحصن كان على أهل الغنم أن يقدموا للشيخ مقدارا من السمن. لكن بداية تغير أنماط الحياة في أواخر خمسينات القرن الماضي، ونزوح عدد وافر من الجيل الجديد إلى عمان والزرقاء والمفرق، وانشغالهم بالوظائف الحكومية والتحاقهم بالجيش الأردني، وأعمال أخرى، وسنوات الجدب من 1958 إلى 1961 قضى على الثروة الحيوانية.

ومع أن فرمان إنشاء بلدية في الحصن صدر في نهاية القرن التاسع عشر، إلا أن أول تعيين لرئيس فيها كان سنة 1908. وتولى الرئاسة عقلة محمد نصير. ثم جمدت البلديات مع بداية الحرب العالمية الأولى. وجرى إحياؤها في اول عهد الإمارة. وتناوب على رئاستها سلطي الإبراهيم ومحمود الفنيش وسليم أبو الشعر ويوسف النمري. ثم جمدت في ثلاثينات القرن العشرين وأعيد إحياؤها في أربعيناته. وفي سنة 2003 جرى ضم الحصن وبلديات أخرى في نطاق ما سمي “بلدية اربد الكبرى”. وكانت نكسة على كل الأصعدة.

وقد وجد عبد الرحمن المسلمين في الحصن قلة، فحاول زيادة عددهم. وهكذا استقدم إلى الحصن فرعا من الرشدان جاؤوا من بشرى، وأصلهم من دير أبي سعيد. وهما فرعان: أبناء سليمان الأحمد وأولاده هما سالم وسليم ومحمد. ولم ينجب سليم، وأنجب محمد بركات ونجيب وعلي (طخشون) ورزق؛ وأنجب سالم محمود (دحيدل) وسليمان وعلي. وفرع عليان الذي أنجب وسبع بنات، إحداهن حليمة أم محمود فنيش. وولد لعلي الأبناء عايد وزاهي وأمهما من المساعدة من كتم، وإبراهيم وأمه من العودات، وقد قتله في شجار محمد رحيل العودات، وعاشت من بعده ابنته موزة، ودايس ويوسف وأمهما نزيلة السليم من نصيرات ناطفة. وقد يكون أحمد وعليان ابني عم، ولم أتوثق من ذلك، ولم أجد من أخوالي من يفيدني أكثر.

ويمكن الاستعانة بالوثائق العثمانية لنتعرف على الحصن وسكانها، وبخاصة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وقد ذكرت د. هند أبو الشعر تفصيلات في كتابها النفيس “اربد وجوارها . . . “. ومن ذلك نجد أن الحصن في آخر عقدين من هذا القرن كانت أعمر مدن الشمال، حتى بلغ عدد سكانها 2500؛ وكانت 3 حارات: غربية (81 دارا3 طوابين)، وشرقية (52 دارا، 7 طوابين)، وقبلية (134 دارا، 4 طوابين). ومن هذه السجلات يمكن أن نستنتج أن من سكانها: نصيرات، ونمري، وغنما، وأيوب، وعماري، وأبناء صالح فليح (حسين وحسن وإبراهيم)، وعبد الرحيم فليح (وأولاده محمد وأحمد ومحمود)؛ ومحمد بن مصلح وعبد الرحمن بن علي الصالح (جدا المصالحة)؛ ومحمد مصلح (جد المصالحة) تزوج بنت علي بن قاسم المغير، ربما جاء من الكورة، وخليل (جد الخلايلة) وأمه حميدية، ومحمد عودة (جد العودات) جاء وحيدا من قرية بجانب كوكب الهوى، ووجدت في كتاب د. هند في سجلات الأسماء: باير بن خليل حتمل ومحمد بن عودة حتمل. ولا يعني ذلك أن عودة وباير أخوان، ولا نعلم كم من الجدود بين هذين والجد حتمل. وجيء بمحمد (الهرش) الشرع (جد الشروع) كما ذكرنا آنفا. ونجد أسماء عبد الله وشحادة وقاسم وفارس وحسين وعلي أبناء لمحمد الخليل. ونجد أسماء محمد الشيخ واسماعيل محمد، وحسن بن سلطي المغيص وأخاه حسين، ومنصور بن عبد الله دعيبس، وسمير بن فارس أبو حصان، وحسين بن ربيع وأخاه عبد الله، وأناس من أبناء أسعد وعلي أبي زيد، ومحمود بن عبد الخالق بن محمد البطاح. كما سكنها عائلات من الزقيبة والحجي وطشطوش وحمتيني وعلان وغيرهم. ومع ذلك بقي النصارى الأكثرية حتى نهاية السبعينات من القرن الماضي. ومن يريد الوسع في هذه المعلومات يمكنه مراجعة كتاب الدكتورة هند أبو الشعر المشار إليه آنفا. كما أن عددا من أبناء الحصن كتبوا في موضوع الحصن وعشائرها، إضافة إلى مؤلفين آخرين.

وتأثرت التركيبة السكاني في الحصن بعدة عوامل، منها تغير طبيعة أعمال الأجيال الجديدة في النصف الثاني من القرن العشرين، كما ذكرنا آنفا؛ كما أن نكبة 1948 جعلت عددا من أهل فلسطين يسكنون الحصن مؤقتا الذي ما لبث أن صار دائما. وساعد على هذه التغييرات هو تسامح أهل الحصن مع (الغريب). وهكذا مع سنة 2010 بعد أن بلغ عدد سكان الحصن 30 ألفا، قد تكون نسبة اهل الحصن الأصليين لا تتجاوز الثلث؛ والباقي من أهل فلسطين أو القرى خارج الحصن. وقد بنى فيها عدد وافر من أساتذة جامعتي اليرموك والعلوم وموظفيها بيوتهم، إضافة إلى سكن العاملين في جامعة اليرموك المقام على ارض الحصن (الطيارّة). ولا ننسى مخيم الشهيد عزمي المفتي الذي يصل عدد سكانه إلى العشرين ألفا المقام على أرض الحصن. بل إن كثرة البناء مسحت الحدود بين الحصن وإيدون والصريح، مع الامتداد إلى اربد. ومع أن نسبة النصارى في الحصن كانت الأكبر، ربما لأوائل السبعينات، وظل عدد الكنائس، بسبب اختلاف الطوائف النصرانية، أكثر من عدد المساجد، فقد وصل إلى خمسة كنائس مقابل مسجد حتى 1984، وثلاثة مساجد حتى نهاية القرن العشرين، فإن في الحصن اليوم 14 مسجدا، مما يؤكد زيادة نسبة المسلمين على نسبة النصارى. وأعجب وأنا اتجول في الحصن، كيف أن حارا ت النصارى صارت حارات للمسلمين بتمامها أو بأكثرها. وكما هي الحال في المدن، فلا توجد حارات، وبخاصة في الأحياء الجديدة، مخصصة لطائفة او عشيرة. والسبب هو حمى بيع الأراضي سواء أكانت داخل حدود البلديات أو الأراضي الزراعية.

من تاريخ النصيرات

نسبا، فالنصير والشعلان من المرعض، من زايد الرولة من الجلاس، من مسلم من أسد من ربيعة من معد من ربيعة من عدنان من اسماعيل فإبراهيم عليهما السلام. وليس من السهل تحديد أزمان هذه الجدود، فبين كل جد وآخر أجيال لا نعلمها على وجه الدقة. ويقال إن جدهم في الإسلام هو عكاشة بن محصن بن حرثان بن أسد بن عطية بن بكر بن وائل بن ربيعة من عدنان. وعكاشة هذا هو الذي فاز بتزكية الرسول صلى الله عليه وسلم عندما تحث عن سبعين ألفا وجوههم كالبدر يدخلون الجنة دون حساب. فقام عكاشة وقال للرسول الكريم اجعلني منهم، قال أنت منهم. فقام آخر وطلب الأمر نفسه صحابي آخر، فقال الرسول الكريم: سبقك بها عكاشة، وذهبت مثلا. لكن هذه الرواية مرفوضة، وقد جاء بها أولا عارف العارف.

ووجدت أن النصير (بتشديد النون) هو من النصير من حسين من منصور من حسن من المرعض. ومن المرعض ثلاثة أفخاذ هم: (1) النصير ومنهم النَّصير (بفتح النون وتشديدها)، والنصِّير (شدة مع كسرة على الصاد) والفججة، والكبوش. (2) والعلمة. (3) والجبران، ومنهم المحمد الشعلان، الحمدان النواصرة، والحمد القطاعا، والحمود الحمودية. ونصيرات الجوف ينحدرون من العواد؛ وأقرب الناس إليهم نصيرات ابطع الذين ينحدرون من حسن بن سويلم بن العواد بن راشد من الكبوش. ومن الكبوش إضافة إلى العواد: الشلية والحماد والحمود. ونصيرات الحصن ومن معهم ينحدرون من النصِّير (بكسر الصاد وتشديدها).

وكتب ابن العم أبو راشد، أن من ذرية حسن بن نصير جاءت فروع عديدة كما في الشجرة التالية:

نصير

حسن

راشد        محمد        قعدان        أحمد

علي                                  محمد

راشد         حمد                   بدران               أحمد             قعدان

حمادة                                 قويدر                علي      سلمان

رشيد                                  يوسف                عبد الرحمن

عبد العزيز                               حسن                    بصراوي

فواز

 

 

محمد      عبد الرحمن    سعود    أحمد

 

وقد وصلني من المهندس سيف الدين عن النصيرات في الأنبار في العراق ولهم أقارب في البوكمال ودير الزور في سورية، وأنهم من نسل قويدر بن بدران بن محمد بن حسن بن نصير من المرعض من الرولة، كما ذكر أعلاه. ونسب سيف الدين هو: سيف الدين بن أحمد بن موسى بن احمد بن داوود بن سليمان بن حسين بن قويدر. ويرجح أن حسن وتوبة أخوان.

تنحدر عشائر النصيرات المعروفة اليوم في الجوف وفلسطين والأردن وسورية من توبة بن نصير. وأبناء توبة ثلاثة:

1-نصير، جد نصيرات الجوف والحصن وناطفة وسال وصما ومندح وابطع والنعيمة (حوران). وسنعرض بشيء من التفصيل لهؤلاء.

2-ناصر، جد نصيرات بئر السبع واريحا وكفر قدوم وعتيل وطولكرم وشويكة.

3-نصار (ويقال إنه منصور)، جد نصيرات جنوب سيناء.

ومنازل هؤلاء الأصلية قريبة من المدينة المنورة. وتوجد بئر قديمة في تلك الديار تسمى “بئر النصيري”.

ثم ارتحلوا إلى منطقة تيماء. ومنها بدأت الهجرة والتفرق. فهاجر قسم منهم (ابراهيم بن احمد بن مصطفى بن علي بن نصير بن توبة) إلى الأردن واستقروا أولا في الحصن. وأقدر أن ذلك كان في المدة 1740-1750. وسنفصل في تاريخ هؤلاء في فقرات قادمة. ورافق نصيرات فلسطين في رحيلهم قبيلة المساعيد. واقتتل الطرفان في وادي عربة، بسبب فتاة كانت طنيبة على أمير النصيرات، أراد أمير المساعيد الزواج منها ضد رغبتها. ونتج عن هذا الاقتتال استقرار قسم من النصيرات في منطقة ضانا غرب الطفيلة لمدة من الوقت. ونصيرات ضانا هم بنو الشيخ أحمد بن . . . بن ناصر بن توبة. ثم هاجروا إلى منطقة كفر قدوم في فلسطين سنة 1080 هـ (1163 م). وهناك ناصروا الحلف اليمني ضد القيسي (مع أنهن قيسيون)، ضد عشيرة الشتيوات. وجرت حروب بين الطرفين، انتصر فيها النصيرات أولا، ثم كانت الكرة للآخرين. وبعدها هاجر قسم من النصيرات إلى دير البلح، وقسم آخر إلى قرية عتيل بقضاء طولكرم.

وأنجب الشيخ أحمد من يلي:

  • يس (قمير) جد عشيرة قمير في كفر قدوم. ومنازلهم كفر قدوم ونابلس وطولكرم.

وأفخاذهم: القدومي وصوفان وعبيد وريان وعودة.

2-ناصر، وهو جد آل ناصر في عتيل ويقارب عددهم العشرين عائلة.

3-نصير، وعقبه في دير البلح.

وقسم آخر من النصيرات اتجه بعد أحداث وادي عربة إلى شمال سيناء. ثم هاجروا إلى منطقة غزة، وعندهم تاريخ، وجرت بهم أحداث وتنقلات. وهم أقدم وجودا من النصيرات القادمين من كفر قدوم.

ثم تنقسم النصيرات من بعد ذلك ثلاثة أقسام هي:

1-الفقيرين، واحدهم الفقيري. وهم الأقدم وجودا في منطقة غزة. ويشملون أيضا نصيرات اريحا والأغوار. وهم فرعان:

أ-عيال سالم، وأفخاذهم: الغربات (أبوغربة)، والجرابين (أبو جريبان)، والسعايدة (ابن سعيد)، والغليبات (أبو غليبة)، والحمامات (أبو حمام). وكل من هؤلاء يشمل عدة عائلات.

ب-عيال حمد، وأفخاذهم: القدّايمة (القدّيم)، البليميين (أبو بليمة)، العجاينة (أبو العجين)، البراعمة (بريعم). وكل من هؤلاء يشمل عددا من العائلات.

2-الكرشان (أو الكريشان)، وهم من نسل نصير بن أحمد القادم من كفر قدوم، بالإضافة إلى المصدر، وفروعهم:

الزوايدة، نسبة إلى (أبي زايد)، المزايدة، (أبي مزيد)، الخوالدة، (أبي خالد)، العيادات، (ابن عيد)، المصادرة، (المصدّر). ولكل فرع عدد من العائلات.

3-الغدايرة، وهم البطن الرئيسي الثالث من النصيرات. وينحدرون من قبيلة الحويطات، على أنهم رافقوا النصيرات وحالفوهم منذ زمن بعيد، وانصهروا فيهم.

وكانت مناطق النصيرات قبل 1948 تمتد في قضائي بئر السبع وغزة، ويتبعون إداريا قضاء بئر السبع. ثم مع النكبة والهجرة خسروا كثيرا من أراضيهم في قضاء بئر السبع، وبقي لهم الكثير في قطاع غزة. ومخيم النصيرات اكتسب اسمه لأنه مقام على أراضيهم. وكان المرحوم فريح المصدر، شيخهم، انتبه منذ وقت مبكر إلى أهمية الاستقرار واستغلال الأرض. ويتواجد نصيرات بئر السبع اليوم في قطاع غزة، وقلة منهم في داخل الكيان الصهيوني في اللد وبئر السبع وقلنسوة. وبعضهم في شمال سيناء، وقلة في الأردن. وكان عدد النصيرات في فلسطين سنة 1948 حسب إحصاء صدر عن هيئة القدس في لندن 14000 نسمة. وبعد حرب 1967 نزح كثير من نصيرات أريحا والأغوار إلى الأردن وسكنوا في صويلح والبقعة وعين الباشا وعمان (أم السماق) ومرج الحمام. ويقدر عددهم ما بين 2000-2200 نسمة. وتوجد نصيرات في جنوب سيناء مساكنهم مناطق جبلية وعرة، ويقدر عددهم بحوالي 700 نسمة. وتوجد وثيقة تؤكد وجودهم عام 800 هـ (حوالي 1400 م).

وتوجد جماعة كبيرة من نصير (أو ابو نصير) في مصر، وكانوا أولا في طنطا ومنطقتها. وجرى التعرف عليهم بالصدفة. إذ كان العم بدر سعيد نصير يعمل مفتشا في سكة حديد فلسطين. وذات يوم (أواخر ثلاثينات القرن الماضي) وهو يفتش على تذاكر الركاب دخل مقصورة فيها ضابط كبير، رفض هذا الضابط أن يريه تذكرته. وبعد شيء من الكلام عرف كل واحد منهم أن اسم عشيرته هو واحد (نصير). ثم فيما بعد، في سبعينات القرن الماضي جرت زيارات بين أفراد من الطرفين. كما تمت لقاءات في السعودية. ولا أعرف شيئا عن توحد الأصل بيننا وبينهم.

كما وجدت عائلة مسيحية تحمل هذا الاسم في الناصرة. هاجر الأخوان نايف وعبد الله نصير إلى شرق الأردن في بدايات عهد الإمارة. وكان نايف محاسبا، وعمل عبد الله قاضيا. ولبعض أعمامي علاقات معرفة قوية مع الأخوين نايف وعبد الله ثم مع بعض ذريتهيما. وكانت نجلاء عبد الله نصير طالبة في الجامعة الأمريكية في بيروت أيام ما كنت طالبا وإن كنت أسبق منها. كما أن أخاها الدكتور يوسف عمل مديرا للمركز الوطني للمعلومات في سنوات إنشائه الأولى.

وذكرنا نصيرات ابطع في جنوب سورية، وهم يشتركون مع نصيرات الحصن بأنهم متحدرون من نصير الذي سكن الجوف. وينحدرون من نسل حسن بن سويلم بن عواد بن راشد من الكبوش من نصيرات الجوف. ولنصيرات الحصن معهم علاقات قوية. وإحدى زوجات عقلة المحمد هي من نصيرات ابطع (وربما لفظها السابق هو ابطح)، ولقبها الحورانية. وولدت له ولدين: تركي ونعيم. (صار ضابطا في الجيش العربي الأردني، ثم ترك الجيش ليدرس الاقتصاد مبعوثا من جامعة اليرموك، في أواخر سبعينات القرن الماضي. وهو الآن برتبة أستاذ). وتزوج أخته محمد أمين بركات السليم (من نصيرات ناطفة)، وكان من ضباط الجيش العربي. كما أن (اللواء المتقاعد) محمود فالح الخطيب (من فليح) تزوج إحدى بنات محمد أمين. كما سنذكر في فقرة قادمة نصيرات الحرجلّة في سورية. ويقول العبود (نسبة إلى عبد الله بن إبراهيم) الذين يسكنون النعيمة السورية (أو نعيمة حوران) إنهم من النصيرات، وأنهم كانوا مع عبد الرحمن الكايد في النعيمة (بني عبيد) في أثناء مقامه فيها. وأنهم عادوا معه إلى الحصن سنة 1869. وحدثني بعض الأعمام انهم كانوا مثيري شغب في الحصن؛ فعمل عبد الرحمن على تهجيرهم إلى نعيمة حوران، ربما في سبعينات أو ثمانينات القرن التاسع عشر. وكتب لي ابن العم جهاد أنه زارهم مرتين، ويجمعون على أنهم من نصيرات الحصن، ويقر لهم نصيرات ابطع بنسبهم إلى النصيرات. وكتب لي “حدثني الحاج مفلح العبود وعمره 91 سنة، بأن للعبود أرضا في بني عبيد، بينما كان لمحمود الفنيش وعقلة المحمد وكايد المحمد أرض في النعيمة-درعا، مساحتها 6 ربعات (حوالي 1800 دونم تقريبا، وتختلف المساحة حتى في البلد الواحد. والربعة 24 قيراطا؛ ونصفها ثمنة، ونصف ثمنة هي 6 قراريط، وهكذا.)، جرى تبادلها”. ويبقى نسبهم الدقيق أمرا غير معروف عندي.

ومن الطبيعي أن يتفرق الأحفاد في البلدان سواء أكان داخل القطر أو خارجه.

النصيرات في الأردن وسورية

ذكرنا أن أحد أبناء توبة بن نصير هو نصير. وهو جد نصيرات الجوف وجنوب سورية والحصن وتوابعها. على أنه، عندما يذكر الجد نصير، فيقصد به جدان، الجد الأول الذي هو أب أو جد توبة، وإليه تنتسب عشائر النصيرات جميعا، ممن ذكرت آنفا، والحفيد نصير بن توبة الذي ذكرناه في مستهل هذه الفقرة.

ومن النصِّير فخذان كبيران: (1) فخذ علي ومنه مصطفى ومنه أحمد ومنه ابراهيم. وللأستاذ ركاد نصير استقصاء عن الأجيال، إذ وجد أن الجيل حوالي 60 سنة. وأقدر أن ولادة ابراهيم كانت حوالي 1720. وأنه جاء إلى الحصن حوالي 1745-1750، وتزوج من الهزايمة. وقد رزقه الله سبعة أولاد (وربما بنات ليس لهن ذكر)، على مدى 15-20 عاما. وربما كان أصغر أبنائه عندما طلب منه أحمد بن ظاهر العمر شابا ليشنقه، كان في حدود 10-15 سنة من العمر. ونفصل القصة في فقرة قادمة. (2) علي الذي منه عباس الذي منه مصطفى الذي منه مهنا، والأخير جد الفليحين. ومن فخذ علي ظهر أفخاذ أبو عين ونصيرات مندح وغيرهم.

جاء الجد ابراهيم من تيماء، بعد أن تفرق عدد من إخوته السبعة في البلدان. فمنهم من ذهب إلى فلسطين، وربما عاد آخرون إلى الجوف حيث أصلهم. وكانت الحصن مسكونة من قِبَل عشيرتي الدويري والهزايمة. وشيخها من الدويري. تزوج ابراهيم من الهزايمة، وصار عديلا للشيخ الدويري. وبعد عدة سنوات استولى على منصب الشيخ بحيلة، جعلت الشيخ الدويري غاضبا، وعقد العزم على قتله بخطة وضعها مع جماعته. لكن الهزايمة حموا ابراهيم؛ وربما سقط من الطرفين إصابات حفزت الدولة إلى إخراج الطرفين من الحصن. والوثيقة التي ذكرناها آنفا تؤكد شيخية ابراهيم للحصن سنة 1766. وجاء آل غنما في النصف الثاني من هذا القرن. وربما حوالي 1774 ترك أحمد بن ظاهر العمر الحصن في قصة نذكرها أدناه:

كان شيخ الحصن منذ حوالي 1760 ابراهيم بن مصطفى نصير (ولقبه الخطيب لأنه كان يحسن القراءة والكتابة)، كما في الوثيقة المشار إليها. وبما أنه لم توجد إدارة مباشرة للدولة العثمانية في منطقة شرق الأردن، فقد كان الشيخ هو كل شيء: القائد والجابي والقاضي والشرطي. ووسع ظاهر العمر الزيداني نفوذه في منطقة عجلون، وأرسل ابنه أحمد ليكون حاكما. بدأ ببناء قلعة ومسجد في تبنة، انتهى منهما حوالي 1770؛ قم انتقل إلى الحصن. وعلى تلها بدأ ببناء قلعة. وبعد أن انتهى بناء الطابق الأول من القلعة، وبناء السور، وللسور بوابة فيها مشنقة، طلب الزيداني من جدي، ذات يوم، أن يحضر له في صباح اليوم التالي أحد أبناء النصارى ليجرب فيه المشنقة. وعاد جدي إلى بيته مهموما يقول لنفسه من هو هذا الشاب الذي سينتزعه من حضن أمه أو زوجه ليقدمه لهذا الظالم. وعندما عاد لمنزله وسألته زوجه عن همه وأخبرها، قالت له ببساطة وعفوية: بالله عليك لا تفجع أما أو زوجا. غدا عندما يأتي هذا الظالم فليأخذ أحد أبنائنا. ونام جداي بعد أن وجدا حل هذه المعضلة. ولكن الله كبير؛ ففي منتصف الليلة كان دق عنيف على الباب، وسأل جدي: من الطارق؟ فقال: أحمد الزيداني. فقال جدي غدا صباحا أحضر الولد، فقال الزيداني افتح الباب؛ فقام جدي لا تحمله رجلاه من الخوف وفتح الباب. فإذ بهذا الجبار يحتضن جدي قائلا: أنا دخيل عليك يا ابن نصير، أنا طنيب عليك يا ابن نصير. فسأله جدي ما حدث؟ فقال قد أرسل أحمد الجزار رجالا ليقتلوني، أوصلني سالما إلى الأمير الغزاوي في الغور. فقام جدي وأيقظ عددا من رجاله، وأعطاهم ورقة عليها ختمه، وقال توصلون هذا الضيف إلى الأمير الغزاوي في الغور وتأتون بختمه على هذه الورقة. وقال للزيداني أعطني مفاتيح التل (القلعة). وأشاع جدي أن الغزاوي ذهب لزيارة أبيه في شفا عمرو. وكان عمال البناء يعملون سخرة (دون أجر). ولكن بعد مدة أدرك العمال أن الزيداني لن يعود؛ فهربوا. وسكن جدي التل. ولم يكتمل بناء الطابق الثاني في القلعة.

مات إبراهيم بعد أن خلف سبعة أبناء، وخلفه في الشيخة ابنه الأكبر محمد. وجرى استدعاء محمد إلى الحكومة في دمشق. ولا نعرف متى كان ذلك. وفي الطريق عرج على قرية الحرجلة (قريبا من الكسوة)، وتزوج إحدى بناتها من عائلة البكري الكرام. تمت المقابلة في دمشق مع الرسميين، ولا نعرف ما جرى. إلا أن رواية الأجداد تقول إنه مات مسموما في طريق العودة وقبره في الصنمين. لكن عروسه من الحرجلة حملت بصبي. وكبر عند أخواله ونسب إليهم. إلا أنه في ثلاثينات القرن الماضي تم تعرفهم على نصيرات ابطع (قرية شمال درعا وأغلب سكانها نصيرات)، وعادوا ليحملوا اسم أجدادهم، في قصة أخرى. وعقب محمد من ولده حسين، من سكان الحصن (وناطفة) يسمون “الحسينات” نسبة إلى جدهم حسين بن محمد.

وخلفه في الزعامة أخوه كايد. ويذكر بيركهارت (1812) وبكنجهام (1921) عندما زارا الحصن وكانا ضيفين على عبد الله الغانم، أن بيت الشيخ موجود على التل. وحسب رواية الأجداد فإن الحكومة جمعت عددا من شيوخ قرى الشمال، ربما لتختار شيخ مشايخ من بينهم. فأعجبهم منطق الجد كايد وصاحبه عبد الله الغانم (ويعرفون الآن غنما) (من مسيحية الحصن). فحسدهما ابن العزام والشريدة واتفقا على اغتيالهما بكمين ينصبانه في أرض الشيخ خليل (حيث يوجد مجمع السفريات القديم) في اربد. واستطاع الشريدة أن يغتال كايد، إلا أن فرس ابن غنما نجته، وكان ذلك سنة 1825. وخلف كايد ولداه سعد وعبد الرحمن. وارتحل أخواه أحمد وعبد الله إلى قرية ناطفة، ونسلهما هناك. إلا أن عبد الرحمن طلب من أخيه سعد أن يذهب إلى ناطفة، وصار شيخها. وقبر سعد في قرية مرو (شرق اربد)، وكان أهلها يوقدون عنده الشموع ويقدمون البخور لهذا الولي، كما أخبرني والدي أكثر من مرة. ولسعد ستة أولاد: محمد ومحمود وأسعد وعبد القادر وأحمد وعلي. وصار محمد شيخ ناطفة بعد وفاة والده، وكان مشهورا بالكرم ورعاية الأيتام والأرامل. وعقبه جميعا ثلاث بنات: فاطمة وآمنة وبورة، والأخيرة جدتي لأبي. وتزوجت فاطمة من أحمد الحسين (من فخذ الحسينات) وورث ابنهما فايز دار جده محمد السعد؛ وتزوجت آمنة من محمد السليمان. أما عبد القادر فليس له عقب. وولد لأسعد ابنه سعد الذي ولدت له ابنتان: نوفة وفضة. وولد لمحمود ولدان: أحمد ومحمد. وقتل أحمد خطأ من بدوي كان له ثأر عند هلال كحلا، فأخذ أخوه محمد أرض هلال دية، وصار من سكان الحصن. ولمحمد عقب من الأبناء: تركي (وتزوج نوفة السعد) وتوفيق وأنيس وونس وطلال.

شيء عن سكان الحصن وما لها

كان في الحصن قبل وصول ابراهيم نصير عائلتا الدويري، ومنهم شيخ القرية، والهزايمة. وقد تزوج ابراهيم من الهزايمة، وصار عديلا للشيخ الدويري. وبعد سنوات صار ابراهيم بن نصير شيخ الحصن، وأخرجت عائلتا الدويري والهزايمة من الحصن. وبعد وقت قصير (ربما حوالي 1760) سكن الحصن آل غنما وأصلهم من الكرك، خرجوا منها هربا من الضغوط، واستقروا مؤقتا في فيق (حوران)، ثم سكنوا الحصن. وجاء بعدهم آل نويصر (أيوب). جاؤوا من عولم قريبا من الناصرة، وأصلهم من اسكي شهر. ويقولون إن جدهم أيوب نويصر بنى مضافة لهم سنة 1780. وعمّر أيوب إلى 110 سنوات. وكان معاصرا لجدي عبد الرحمن. ووجدت في أوراق سلطي باشا بن ايوب بن ابراهيم بن أيوب، أن عبد الرحمن جاء من صما (حيث يوجد فرع للنصيرات)، وقيل له إن أيوب نويصر مات، وكان صديقه، فدخل عليه وهو مسجى مكحلا. فقال عبد الرحمن إنه أزين من يوم ما زفوه من سوم الشناق. وبما كان ذلك حوالي 1850. وبدأ توافد عائلات نصارى للحصن من آل عماري وآل النمري وآل عباسي، وآل سويدان وآل الريحاني وآل عازر وغيرهم، حتى بلغ عدد العائلات ثلاثا وعشرين، مع بداية القرن العشرين. وكانت الحصن أكبر بلدة في لواء عجلون. ويقال إن عدد سكانها سنة 1890 بلغ 3000 بينما بلغ عدد سكان اربد 300. وصدر فرمان بنقل مركز سنجق عجلون إلى الحصن، لكن لم ينفذ، لعدم حماسة اهل الحصن له لأنهم رأوا أن وجود الحكومة يجلب الفساد، ولأن أكثر الموظفين كانت لهم دكاكين مؤجرة، وخافوا أن يفقدوا دخلها.

ذكرنا أن الحصن قديمة. وربما نفهم اسم الحصن من مما كتبه بيركهارت. فعندما جاء من جبل عجلون ووصل إلى المرتفعات غرب الحصن، ونظر إلى الشرق، فإذ بها سهول واسعة تمتد إلى حوران هي خزان الحبوب، وأهراء رومة كما كان يقال. ولا بد من حراسة هذه السهول والقائمين عليها. وهكذا، بنيت قلعة (الحصن بكسر الحاء). وتوضح دفاتر الطابو العثمانية عمران الحصن منذ الحكم العثماني. فقد مرت بها فترات كانت خالية من السكان، وفترات يزيد فيها عدد السكان وينقص، معتمدا على الأمن والأمان. وبما أن الزراعة كانت بدائية طرقها، وأن سكان قرية ما يجب أن يكونوا ذوي لحمة قوية، فقد كانت القرى ذوات أراض غير شاسعة مما يستطيع سكانها حراثته وحمايته. ولهذا كثرت القرى حول الحصن، ولخرابها صارت تسمى “خربة”. ونقول إن الحصن بلعت 13 خربة مما حولها، مثل الطيارة وسعوة وشمشان وراكسة والكفارات (وأخبرني الوالد أنه شاهد في الأخيرة مئذنة مسجدها، ولا تزال آثار لقبورها)،

وكانت الطيارة (عندنا بتشديد الراء)، وفيها الآن إسكان العاملين في جامعة اليرموك، عامرة حتى منتصف القرن التاسع عشر، يسكنها قوم من آل طلفاح. أصيبوا بمرض قاتل (يقال إنه الكوليرا) فمات كثير منهم وهجرها الآخرون وصارت خرابا. وحدثني أبي وغيره، أنهم كانوا يجدون التبن والعلف في طوالات (معالف) مغاراتها.

ذكرنا أن الدولة العثمانية اكتفت في شرق الأردن بإدارة غير مباشرة عن طريق شيخ القرية. على أنها سمحت بقيام إمارات أو ما يشابه ذلك في أجزاء تشمل عدة قرى تسمى ناحية. وفي المنطقة شمال جرش إلى اربد كانت توجد ناحية بني عطية

نعود إلى الحصن واسمها. ونستفيد مما قدمه الأستاذ ركاد نصير. يدعي الأستاذ ركاد أن اسم “مكدي” مذكور في رسائل تل العمارنة، ولم يذكر في أي منها، ولم أستطع أن أتحقق من دعواه. وإن كنتُ غير مقتنع بذلك، لأن الرسائل كانت من حكام أو ملوك لممالك أو ما يقاربها. ولا أظن ان الحصن (مكدي) بلغت ذلك المبلغ. كما يستطرد الأستاذ ركاد إلى مملكة “مقّيدة” المذكورة في الإصحاح العاشر من سفر يشوع. عندما دخل ملكها في حلف مع ملوك أورشليم وحبرون ويرموت ولخيش وعجلون لمحاربة جبعون التي احتلها يوشع وقومه. ولا تذكر خرائط الكتاب المقدس مكان عجلون أو مقيدة. (انظر “الكتاب المقدس”، دار الكتاب المقدس بمصر، ط 2، 1999. وإن كنت لا أقبل الرواية التوراتية فيما يختص بدخول بني اسرائيل أرض فلسطين، وأن ذلك خرافة كبرى، كما أثبت في كتابي “بنو إسرائيل واليهود: الضلالات والحقيقة” ومؤخرا أثبت عدد من الآثاريين في جامعة تل أبيب أن قصة الخروج من مصر وما تبعها لا علاقة لها بالحقيقة). ونحتاج إلى التنقيب الواسع في التل لنعرف أكثر. وقد وجد أحد ابناء العمومة على التل ختم الخنفسة المصري، مما يوحي باتصال قديم مع مصر.

والحصن اليوم حاضرة لواء بني عبيد الذي يضم الآن الحصن والصريح وإيدون والنعيمة وكتم وشطنا ومخيم عزمي المفتي وإسكان العاملين في جامعة اليرموك. وعندما جرى دمج البلديات، باقتراح من وزير البلديات آنئذ د. عبد الرزاق طبيشات، في 2002 جرى ضمها إلى اربد لتصير منطقة داخل اربد الكبرى؛ مخالفا منهجه في الضم. إذ أنه جرى دمج بلديات كل لواء تحت اسم بلدية . . . الجديدة، إلا بلديات لواء بني عبيد (التي هي إداريا مفصولة عن لواء اربد – لواء القصبة)، وذلك من أجل السماح بتمدد اربد للجنوب على حساب الأراضي الزراعية للحصن وإيدون. فبئس القرار. وعلى الرغم من جهودنا وحتى مع الملك عبد الله الثاني لم نستطع أن نفك هذا الارتباط النكد. فقاتل الله من تسبب به ومن يديمه.

وربما كانت مدينة “ديون”، إحدى مدن الديكابوليس. وربما اسم ايدون هو تحريف لهذا الإسم. على أنه لا توجد في ايدون الحديثة آثار تدل على قدمها في التاريخ. وفي الحصن بركة (رومانية كما تسمى) كبيرة نسبيا. كانت الدواب تستقي من مائها العكر حتى أواخر الصيف. وقد تعلم كثير من شباب الحصن (وبعض نسائها) السباحة في مياهها؛ كما غرق فيها عدد من الشباب. وملكية التل تعود إلى عبد الرحمن نصير، ومن ثم ورثته. وقد اشترته دائرة الآثار في العقد الاخير من القرن الماضي (1994). وتجري فيه جامعة اليرموك بعض التنقيبات الأثرية، لكنه يحتاج إلى جهود كثيرة لكشف خباياه. ومن سوء الحظ أن المسلمين استعملوا جزءا منه مقبرة، والمساحة المسجلة وقفا لها لا تتعدى تسعة دونمات. إلا أنها الآن أضعاف ذلك.

خاتمة

هذا موجز لتاريخ الحصن وآل نصير وبعض سكان الحصن، كتبته بما تجمع لدي من روايات شفوية وبعض الوثائق. ولا شك أن الحصن تستحق أن يكتب عنها أكثر، تاريخا وسكانا، ونشاطات، ورجالا، ونساء. فهي لا تزال مدينة فريدة بين مدن الأردن في نواح كثيرة. وآمل أن تحفز هذه الرسالة غيري من أهل الحصن ليكملوا المسيرة.

شيء من تاريخ النصيرات في الحصن وقبائل أخرى ومن تاريخ الحصن

الأستاذ الدكتور عبد المجيد نصير-أستاذ الشرف-جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية

مجمع اللغة العربية الأردني-الجمعية الأردنية لتاريخ العلوم

مقدمة

قبل قيام امارة شرق الاردن، وفي ظل اهمال الحكومة التركية لشرق الاردن، تنافست القبائل البدوية على بسط نفوذها على الأراضي الزراعية لأهل القرى. ولم يبق للسكان من حماية أنفسهم ومزروعاتهم إلا أن يعقدوا مع القبائل القوية اتفاقاً يدفعون بموجبه مبلغاً سنوياً من المال أو كمية من الحبوب أو عددا من رؤوس الماشية لقاء حمايتهم وحماية مواشيهم ومزروعاتهم من هجمات البدو الآخرين. وكان الخريشا والجبور من بني صخر متسلطين على الحصن والصريح. ومع نهاية الحكم العثماني سنة 1918 زادت تعديات البدو، وقتلوا عددا من شباب الحصن، ومنهم عم أبي زبن السعيد ويوسف أيوب سنة 1919 في أيام الحصاد. ثم رأى أهل الحصن والصريح ان ينضموا لأهل الرمثا تحت زعامة فواز بركات الزعبي (الصويت) في العام 1920 لدحر عدوان بني صخر. واستطاعوا دحرهم. وكانت المرحومة أمي تغني لي

يا كونة كانت عليه                   شرق الحصن قبل الصريح

حديثة ينخى بالعبد                   والعبد عن   ركبه   يطيح

(حديثة الخريشا شيخ الخرشان). كما كنت أسمعها تغني

يا بنت ياللي بالمصيف               طلي    وشوفي   خيلنا

والله يعزك يالصويت                   يا مشلعين    أطنابها

وكان الشاعر الدوقراني قد نظم قصيدة يعلن فيها التمرد على بني صخر، وأنه لن يعطوهم الخاوة، وانهم مجهزون لهم الرجال والسلاح. وقصيدته مشهورة موجهه للخرشان والجبور. ومن أشهر أبياتها:
يا راكبن من عندنا مذعوره @@@ حره ولا حطوا عليها جمالي
ما نوخوها للجمل مهجوره @@@ سبع السنين معفيه وحيالي
تجفل من المحجان والباكوره @@@ وتفز فزيز الطير من المجفالي
خلك كلامن بالورق مسطوره @@@ قولات قافٍ قالهن قوالي
تلفي على الخرشان هم وجبوره @@@ بني صخر مسطرة* العيالي
علمهم ان الخوخ والرمان ….. @@@ والصبر عندنا كوز عسالي
هذي حوران حوّتن مسعوره @@@ حوت بحر تاكل ولا تنكالي
الحصن والصريح فيها نموره @@@ وباقي القرايا ضربها بصالي
كم مهرة من بزرنا مسطوره @@@ تسوى ثمنة الاف عد ريالي
مظروبه بين الحقب وزوره @@@ عنها تعوض مرشحه وعنالي
حي    الولد   واللي   انسحب    جاروره       @@@       بيده      رمى    شره    على      الخيالي

  • مسطرة: أي شجعان. والولد المذكور هو المرحوم يوسف علي (الشولي) بن عبد الرحمن نصير.

تقع الحصن على خط الطول 54َ 35ْ شرقا، وخط عرض 19َ 31ْ شمالا، وتقع جنوب اربد (حاضرة محافظة اربد) بحوالي 8 كم، وشمال عمان بحوالي 80 كم. ترتفع عن البحر بمعدل 600 متر. ويميز الحصن تلها الذي تقارب مساحته 100 دونم. وهو تل صناعي، يرجح أنه قلاع ومساكن كانت تهدم ويبنى فوقها. وآخر قلعة بنيت عليه كانت حوالي 1774، بناها أحمد بن ظاهر العمر الزيداني، بعد أن فرغ من بناء قلعة تبنة ومسجدها. وهو تل دائري تقريبا قطر قاعدته 275 مترا. وسنعود للحديث عن تاريخه الحديث فيما بعد. وهذا التل كنز أثري، يحوي تاريخ الحصن بل تاريخ المنطقة حوله. إلا أن التنقيبات فيه قليلة جدا، وتحتاج إلى جهود فرق عديدة ولسنوات مديدة حتى يبوح بأسراره. على أن الدكتور زيدون المحيسن، من كلية الآثار في جامعة اليرموك، أتحفنا بمعلومات مهمة في محاضرته التي ألقاها في مهرجان القمح والزيتون في خريف 2008 الذي أقيم في منطقة الحصن. وألخص أهم ما جاء فيها.

وكما ذكر الدكتور المحيسن، فإن تاريخ الحصن وتلها موغل في القدم، ابتداء من العصر الحجري النحاسي (3750-3200 ق. م.)، إذ تدل بعض المكتشفات على وجود استيطان في منطقة الحصن. وفي العصر البرونزي المبكر (3200-2000 ق. م.)، قامت ممالك المدن، أي مدينة عاصمة وحولها عدة قرى، ويرجح أن للحصن ومنطقتها نصيبا في ذلك. كما امتد إلى العصر البرونزي المتوسط (2000-1550 ق. م.). ويظهر ازدهار الحصن إبان حكم الأسرة المصرية التاسعة عشرة (1550-1200 ق. م.). واشتهرت منطقة الحصن بزراعة الحبوب والعنب والزيتون. وتكثف الاستيطان في الفترة (1550-1410 ق. م.) التي حوت حكم الملك المصري تحتمس الرابع. وفيما يسمى فترة تل العمارنة (1410-1340 ق. م.) وجدت كثير من الرقم المتعلقة بالأردن شمالا وجنوبا، إذ ضعف الحكم المصري الذي كان مظلة عامة للممالك الصغيرة في سورية. ونقرأ في كثير من هذه الرسائل شكاوى الحكام من التعديات، وطلب النجدة. وفي الفترة (1340-1200 ق. م.) كانت الحصن ذات أهمية كما دل على ذلك كشف مقبرة مقطوعة في شرق التل، بقيت قيد الاستعمال حتى عصر متأخر. وظلت دويلات المدن مع قيام ممالك أوسع في العصر الحديدي (1200-539 ق.م.). وهي فترة قوي فيها النفوذ المصري في سورية. وقد وجد أحد أبناء العمومة ختم الخنفساء المصري صدفة على ظهر التل. وقامت عدة ممالك آرامية في دمشق، ومملكة ذيبان ومملكة عمون في الأردن، ومملكة اسرائيل وعاصمتها شكيم أو السامرة (بجانب نابلس). وقد قامت المملكة الأخيرة في أواخر القرن التاسع قبل الميلاد؛ وكانت جزءا من الحلف الإثني عشري الذي قام لمحاربة الملك الأشوري شلمناصر الثالث (859-824 ق. م.) في معركة قرقرة الشهيرة سنة 854 ق. م. التي ادعى فيها الملك الأشوري النصر على أعدائه. وربما كانت الحصن جزءا من مملكة باشان، إحدى ممالك هذا الحلف.

ودخلت منطقة الحصن في النفوذ الأشوري، على الرغم من تمرد مملكة دمشق وغيرها بين الحين والآخر. ثم صعد العرش الأشوري الملك تغلات فلاصر الثالث (745-727 ق. م.) الذي بدأ سياسة التوسع وضم الأراضي وتعيين ولاة أشوريين. كما اتبع سياسة الترحيل المنظم للشعوب المغلوبة التي شملت أكثر من مئة شعب. وخلفه ابنه شلمنصر الخامس الذي حكم من سنة 726 إلى سنة 722 ق. م. ثم خلفه صارغون الثاني حتى سنة 705 ق. م. وهو الذي حاصر السامرة سنة 721 ق. م. وقهرها، وأجلى من أهلها 27290 نفسا، كما في سجلاته (وكان الأشوريون مولعين بتسجيل كل شيء تقريبا). وأسكن فيها شعوبا أخرى. وانتهت بذلك مملكة إسرائيل (الشمالية)، بينما كانت منطقة يهوذا في بداية حياتها ككيان ما.

ملاحظة: توضح السجلات المختلفة عدم وجود مملكة متحدة كما يدعي الإسرائيليون عاصمتها اورشاليم، وملكاها داوود وسليمان. ثم تجزأت مملكتين: السامرة ويهوذا على يد رحبعام بن سليمان. بل العكس أصح. وهو وجود مملكتين منفصلتين في زمانين غير متطابقين، لم تتحدا.

وجاء بعد الأشوريين الكلدان وعاصمتهم بابل، التي توسعت غربا، واصطدمت بالمصريين، وملكهم نخو، الذي هزمه نبوخد نصر في معركة كركميش. وانتهت مملكة يهوذا على يد الكلدان سنة 586 ق.م. ودخلت المنطقة في النفوذ الكلداني. ثم دخلت في النفوذ الفارسي حتى احتلال الإسكندر المكدوني. ومن بعده (332 ق.م.) صارت سورية من نصيب المملكة السلوقية. وفي أثناء ذلك قامت عدة ممالك في سوربة، لعل أهمها مملكة الأنباط. ثم دخلت المنطقة في النفوذ الروماني منذ 63 ق. م. حتى 324 م. وفي أثناء ذلك ظهر حلف المدن العشرة (الديكابوليس)، وربما كانت ديون (أو ديوم) هي الحصن، وبخاصة أن الأسماء الهلينية قد تختلف عن الأسماء الحقيقية؛ مثلا: بيلا – طبقة فحل، فيلادلفيا – عمان، جدارا – أم قيس، كابيتوليس – بيت رأس.

ومنذ 324 بعد رفع الاضطهاد عن النصارى، ثم اعتناق الامبراطور قسطنطين النصرانية، بدأ عصر جديد، تميز ببناء الكنائس. ولا بد أن للحصن نصيبا من كنائس وقصور، يشهد على ذلك كثرة الأماكن المبلطة بالفسيفساء، أحدها شمال دارنا في بداية الطريق إلى الصريح. وبدأ العصر البيزنطي حتى الفتح الإسلامي منذ 640 م.

ونعلم أن منطقة جنوب سورية ازدهرت أيام الأمويين الذين أولوا عناية خاصة بها. فغرب النهر، صار بناء المسجد الأقصى، ومساجد أخرى. وشرق النهر شيدت القلاع لحفظ الطرق، ومنها قلعة أموية آثارها في الجزء الجنوبي من التل، مربعة الشكل ضلعها 100م، وتحوي مصلى صغيرا أبعاده 3.5 × 3 متر، يتسع لعشرة مصلين، يظن انه كان لحرس القلعة. كما بنيت قصور في الصحراء للخلفاء والأمراء يأوون إليها وهم يمارسون هواية الصيد، وحياة البرية.

وربما كان اسمها منذ العصر الأموي أو قبل ذلك مقدية أو حصن مقدية. ويذكر البكري في “معجم ما استعجم” أن مقدية هي قرية من قرى البثنية، وهي تقع إلى الجنوب من حوران، مدينتها أذرعات، تجاور أرض البلقاء وعمان. ويذكر أنها أطيب بلاد الله خمرا، ومنها كانت تصطفي ملوك غسان الخمر، وكذلك عبد الملك بن مروان. ويذكر ياقوت الحموي في “معجم البلدان” مقدية وحصن مقدية. أما مقدية فقد عرفها بأنها قرية بناحية دمشق من اعمال أذرعات، تقع في طرف حوران. ويذكر لسان العرب في باب (مقد): “مَقَدٌ من قرى البثنية. والمقْدِية خفيفة الدال، قرية بالشام من عمل الأردن، والشراب منسوب إليها. وذكر غيره: المَقَدي مخفف الدال شراب منسوب إلى قرية بالشام يُتخذ من العسل. وقال الشاعر:

علل القوم قليلا                          يا ابن بنت الفارسية

إنهم قد عاقروا اليو                         م شرابا مقديّة

وأنشد الليث:

مَقَدِيّ أحله الله للناس         شرابا وما تحل الشمول

. . . وأن المقَدّيّ منسوب إلى مَقَدّ، وهي قرية بدمشق في الجبل المشرف على الغور”. (ولنا أن ندرك أن علم الأقدمين بدقة المواضع الجغرافية كان ضعيفا).

كما نجد ذكرها في الشعر الأموي. يدل على ذلك شعر عدي بن الرقاع، الذي ذكرها وذكر موقعا قريبا منها هو حديجة أو حديجاء التي ذكر كرمها وخمرتها في قصيدة له مدح فيها الوليد بن عبد الملك مطلعها:

غُشيتُ بعفرى أو برجلتها معا             رمادا وأحجارا بقين بها سفعا

إلى قوله:

مَقدّيّة صهباء تثخن شربها                إذا ما أرادوا أن يراحوا بها صرعى

عصارة كرم من حُديجاء لم يكن          منـابتـهــا مستـحدثـــات ولا  قـــرعــى

وحديجاء من الفعل حدج، والحدوج مراكب النساء، واحدها حدج وحُداجة. ولعدي هذا قوله:

يا شوق ما لك يوم بان حدوجهم          من ذي المويقع غدوة فرآها

بل إن شهرة خمرة مقدية نجدها في شعر جاهلي، كما قال عمرو بن معد يكرب:

وهم تركوا ابن كبشة مسلحيّا                         فقد شغلوه عن شرب المقدّ

وقال غيره:

كأن مدامة مما حوى الحانوت من مقد                يصفق صفوها بالمسك والكافور والشهد

والمقدي شراب يتخذ من العسل، كما جاء في تاج العروس. وكانت الخلفاء من بني أمية تشربه. ويذكر الأستاذ ركاد نصير وجود موقع قريب من حديجاء يسمى “بيارة العسل”. فهل يعني ذلك أنه مكان لخزن العسل؟ كما أن المقدية ضرب من الثياب كما قال ابن دريد في “جمهرة اللغة”. وإذا أدركنا أن ياقوت وغيره لم يزوروا كل ما كتبوا عنه، واستفادوا من كتابات الآخرين، فإني أرجح أن مقدية وحصن مقدية هما شيء واحد.

ولا نعرف إن بقيت عامرة طيلة الحكم العباسي والدويلات التي كانت ضمنه (الإخشيديون، الفاطميون، الأيوبيون، المماليك). وحصن مقدية الذي هو من أعمال أذرعات من أعمال دمشق، ينسب إليه الأسود بن مروان المقدي الحصني المتوفي سنة 360 هـ (حوالي 972 م)، وهو من أهل الحديث. أي أن هذا المكان كان عامرا في القرن العاشر الميلادي. كما ولادة الشيخ أبو بكر تقي الدين بن محمد الحصني في الحصن سنة 752 هـ/ 1351 م ينبئ أن الحصن كانت عامرة آنئذ. وتميز العثمانيون بتدوين سجلات الطابو لقرى المنطقة سنة فسنة، ذاكرين السكان عزبا ومتزوجين، وعدد الخانات (المنازل)، ووجود أغراب أو أئمة، إضافة إلى منتوجاتها الزراعية والحيوانية. ويتضح من هذه السجلات أن الحصن (كغيرها) من القرى كانت تعمر سنوات، وتهجر سنوات. وسبب ذلك شعور الناس بالأمن. كذلك نجد ذكر قرى حولها مثل حديجاء وراكسة وطيارّة، ومزارع مثل الدهما وأم الآبار وسعوة وبيضة (وجميعا تقع الآن ضمن حدود أراضي الحصن).

ونجد ذكر الحصن في دفتر طابو رقم 401 (سنة 1543) على أنها مركز ناحية بني عقبة (وبنو عقبة من جذام كانت منازلهم حول الكرك منذ الفتح الإسلامي، لكنهم في القرن التاسع عشر انتقلوا شمالا). وتشمل ناحية بني عقبة قرى رحابة والحصن وسراس والكفير ومسكايا وصمد ودير المساريط وراكسة. ومركز زعامة بني عقبة كان في الحصن. وفي سنة 1596 كان يقطنها 24 عائلة، و15 عزبا، وتنتج الحنطة والشعير والحمص والخضار، وتربي الأغنام. وملك أبو قاعود الحصن بعد منتصف القرن السابع عشر. ثم دخلت الحصن في ناحية بني عطية منذ أواخر القرن السادس عشر. وتضم هذه الناحية أيضا قرى: دير مصاريط وصمد ومسكاية واسراس وكفير ورحابة وراعية. وسمية ناحية بني عطية نسبة إلى القبيلة العربية بين عطية، الني انتشرت في شمال الحجاز. ومنهم في الأردن من يدعون اليوم العطاونة. (ورقة حضرها الأستاذ ركاد نصير). كما نشأت في الفترة نفسها ناحية الأعسر من 29 قرية ليست الحصن إحداها، مع أنها جغرافيا تقع في هذه الناحية. ولا يوجد لها ذكر في دفتري الطابو سنتي 1523، 1543، ولكنها مذكورة في دفتر الطابو لسنة 1596. وعن هذه الناحية يمكن مراجعة بحث د. محمد عدنان البخيت “ناحية بني الأعسر في القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي” المنشور في “دراسات” العدد السابع، المجلد الخامس عشر (1988). ولا نعرف بالدقة من هم بنو الأعسر، أو الأعصر كما يدعي الأستاذ ركاد نصير. وهو ينسبهم إلى جدهم أعصر، من قيس عيلان من عدنان. ويرجح أن بني عبيد نسبة إلى عبيد، الحفيد السابع للجد أعصر كما يلي:

أعصر – غني – غنم – حُلان – كعب – عوف – سعد – عبيد.

وللأستاذ ركاد ورقة أخرى يثبت ان زمن الجيل عند العرب هو ستون عاما. فهل من فائدة لذلك لتحديد الأزمان. وسنعلق على تسمية بني عبيد في فقرة قادمة.

واهتم العثمانيون بالأمن في شرق الأردن بما يتعلق بسلامة الحجاج. وعندما حجت ابنة السلطان سليمان القانوني سالكة الطريق الرومانية القديمة، ووجدت أنها متعبة لكثرة المنحدرات والوعر، أمرت تغيير الطريق في العودة، وسلكت الطريق القريب حاليا من الطريق الصحراوي إلى المدورة الذي عرف بطريق البنت. وبنى العثمانيون قلاع معان والحسا والقطرانة لحماية هذا الطريق. وفي بداية القرن السابع عشر لمع نجم الأمير فخر الدين المعني الكبير في لبنان وامتد نفوذه إلى شرق الأردن.

وظل العثمانيون يعتمدون على شيوخ القبائل المحيطة بطريق الحج لسلامة الحجاج مقابل أعطيات سنوية. على أن أمير الحج علي باشا سنة 1753 حجب جزءا من هذه الأعطيات، فهاج البدو وهاجموا قوافل الحجاج في السنة التالية، واضطر علي باشا أن يدفع لهم للسماح للحجاج بمواصلة المسير. وبأمر من حكومة إستانبول انتقم الوالي عبد الله باشا الشتجي من شيوخ البدو في السنة التالية، بعد أن دعاهم إلى دمشق وأمنهم على أنفسهم، وهناك أعدمهم. فانتقم البدو منه في السنة التالية، عندما حاصروا الحجيج في منطقة القطرانة، ولجأ الباشا إلى قلعة القطرانة. ولكن المهاجمين قتلوا من قافلة الحجيج (وعددهم ستون ألفا) عشرين ألفا، واستعبدوا جزءا منهم، كما أن حر الصحراء والعطش تكفلا بموت جزء منهم. وغنموا غنائم هائلة، ومنه أكياس فيها لآلئ ظنها البدو أرزّا وحاولوا طبخها. بل جرى بيع بعض هذه الغنائم في عكا تحت سمع وبصر حاكم تلك المنطقة ظاهر العمر الزيداني. ولم يكن احتراما كثيرا للسلطة العثمانية.

وقويت شوكة ظاهر العمر في منتصف القرن الثامن عشر، بعد أن كان أبوه عمر حاكما لمنطقة عكا من قبل الأمير الشهابي. ونجح ظاهر منذ سنة 1740 في أن يكون حاكم عكا وما حولها. وبدأ يمد نفوذه. ومع سنة 1760 نجح في ضم الساحل من صيدا إلى يافا، وفي الداخل إلى نابلس وصفد وعجلون. وأرسل ابنه أحمد إلى منطقة عجلون الذي بنى في تبنة مسجدا وقلعة سنة 1769. ثم انتقل إلى الحصن. وبدأ بناية القلعة والسور على ظهر تل الحصن. وكان شيخ الحصن آنئذ الجد ابراهيم بن مصطفى نصير (نسبي هو: عبد المجيد قاسم محمد سعيد عبد الرحمن كايد ابراهيم). وعندنا وثيقة عثمانية تاريخها 19 رمضان 1180 هـ، الموافق 18 شباط 1766 تذكر أن أمير الحج في ذلك العام (وعثمان باشا بن عبد الله الكرجي – أي أصله من جورجيا، الملقب بالصادق، وكان واليا على دمشق من 1760 إلى 1771) استأجر 159 جملا من مشايخ قرى حوران لنقل ذخائره. والشيوخ هم موسى بن حمد شيخ طايفة بني عبيد، وابراهيم بن مصطفى نصير شيخ قرية الحصن، وعبد الله بن عيسى البطين شيخ قرية كفر يوبا، وصبح بن حمدان شيخ قرية البارحة، وأبو بكر بن صالح كريزم شيخ قرية اربد. على أي حال، قويت شوكة ظاهر العمر بمساعدة الروس، وحاولت الدولة العثمانية قهره، وقاد إحدى الحملات عثمان باشا المذكور أعلاه، ولم يفلح؛ إلى أن تعاون الجيش المصري بقيادة أحمد الجزار (وكان مصطفى باشا طوقان واليا على مصر)، مع الحملة التركية، وقهروا ظاهر العمر سنة 1777. ومن بعده، صار الجزار حاكما لعكا. ثم وسع دائرة نفوذه إلى صفد وأجزاء من عجلون. ولمع نجمه عندما استطاع أن يقاوم نابليون في حصاره عكا ويرده خائبا عن أسوارها.

ونلاحظ أن موسى بن حمد هو شيخ طايفة بني عبيد، أي أنه ليس شيخ قرية أو شيخ عشيرة؛ وأرجح أن هذه الطائفة هي مجموعة غير متجانسة من الناس. وربما مجموعة موسى بن حمد هم الأقوى، لأن مجموعته الخاصة هي كذلك. فاستحق موسى أن يكون شيخ هذه الطائفة. ويتضح أنهم كانوا رحّلا في المنطقة غير مستقرين في مكان واحد. ولسبب لا نعرفه نشأت ناحية جديدة باسمهم. وقد يكون ذلك مع نهاية القرن الثامن عشر. على أن د. نواف شطناوي كتب لي في ورقة خاصة أن بني عبيد من بني الأعسر، عرفوا بذلك كما في دفتر طابو رقم 275 لسنة 958هـ/1551م. ويقوي ذلك ما نقلناه عن الأستاذ ركاد نصير أعلاه. ويلاحظ أنه كان للنواحي شيوخ مشايخ او أمراء؛ ولا نجد مثل ذلك لناحية بني عبيد حتى النصف الأول من القرن التاسع عشر. وأضيف لذلك ما تناقلناه عن الأجداد، من أن والي الشام استدعى شيخ الحصن، محمد بن إبراهيم، إلى دمشق، ربما في بداية القرن التاسع عشر، لتنصيبه شيخ مشايخ، لكنه مات في أثناء عودته وقبه في الصنمين. ثم استدعت الدولة شيوخا من شمال الأردن إلى إربد سنة 1825، ومنهم الشريدة وابن عزام وكايد بن إبراهيم (شقيق محمد) وعبد الله الغانم، لاختيار أحدهم شيخ مشايخ. وأعجب الدولة كل من كايد وعبد الله، وحسدهما الشريدة وابن العزام، وتآمرا على قلهما. وقتل الشريد كايد في منطقة الشيخ خليل في اربد وأنقذت فرس عبد الله صاحبها. ونجد ذكر ناحية بني عبيد في مذكرات بيركهارت الذي زار الحصن سنة1812 ووصفها بأنها القرية الرئيسة في هذه الناحية.

ثم جاءت مرحلة التوسع السعودي الوهابي في الأردن، لكنه لم يصل إلى منطقة عجلون. ثم كان دور الحاكم الجديد لمصر، محمد علي، ليدحر الوهابيين، ويدك عاصمتهم، الدرعية سنة 1818، بعد أن وعده السلطان بحكم سورية. ومع أن نفوذه توسع زيادة على مصر، فإن السلطان لم يمنحه سورية. فأرسل ابراهيم باشا على رأس حملة عسكرية ودخل بلاد الشام. ومع قيام مقاومات هنا وهناك في أثناء الاحتلال المصري، وقد قمعت بقوة، إلا أن منطقة الحصن لم تشارك في الثورات. بل كما ذكر الجدود أن أحد كبار الضباط دخل الحصن، واستقبله الجد عبد الرحمن بن كايد واستضافه. بل أُعجب هذا القائد بإحدى أخوات عبد الرحمن الذي اعتذر عن عدم قبول خطبته لها. وبعد ارتداد الجيش المصري عن سورية، وعودته إلى مصر، أخذ الجد عبد الرحمن فرسين عربيين أصيلين إلى مصر هدية لهذا القائد. فأهداه القائد ذهبا وأوصله إلى حدود مصر في العريش. وحتى لا يقتله لصوص الطريق من أجل الذهب، اشترى بغلتين وقربا ملأها بالقطران، ووضع الذهب داخلها. فصار تاجر قطران. ومن يريد أن ينهب القطران ويفوز برائحته المزعجة؟ ووصل الذهب سالما إلى التل. ولا يعرف عنه شيء بعد ذلك. وأخبرني الوالد، رحمه الله، أن جده سعيد بن عبد الرحمن، وكان آخر من سكن قلعة التل، قد أمر أولاده أن يحفروا أرضيات غرف القلعة واحدة واحدة ولم يعثروا على شيء.

وقد يكون القرن التاسع عشر من عصور الحصن الذهبية. فقد نعمت بفترات من الهدوء، ونزحت إليها أكثر القبائل المسيحية، جاؤوا من بصرى وإزرع والجولان وعدة قرى في فلسطين. وترسخت ناحية بين عبيد، وثبت اسمها. وزارها عدد من الرحالة. وبدأت طوائف النصارى ببناء كنائس، وفتح مدارس، من هذه الطوائف والحكومة. وزاد عدد سكانها حتى صارت أكبر قرية في شمال الأردن. وربما كانت أغنى هذه القرى، وأكثرها تنوعا في السكان والثروة. وتوسعت حدود أراضيها الزراعية. وسنوضح ذلك بقليل من التفصيل فيما يلي.

دخلت الحصن، مثل غيرها من قرى عجلون، في الحكم المصري. ومع قيام عدة ثورات ضد استبداد هذا الحكم وكثر مظالمه، فإنه لم يذكر شيء عن مشاركة الحصن أو شيخها (عبد الرحمن بن كايد بن ابراهيم) في هذه الثورات. وتفسيري أن مسارعة عبد الرحمن للانضمام إلى الحملة المصرية حوّله من عدو إلى حليف. وبعد زوال الحكم المصري (1841) دخلت شرق الأردن في فوضى تتكاثر فيها الحروب بين أحلاف تقودها عشائر بدوية (بنو صخر والعدوان وغيرهم). ولا نعرف شيئا عن تفاصيل السكان أو المنتوجات من السجلات العثمانية. وقد أخبرتني د. هند أبو الشعر في مكالمة هاتفية (مساء الجمعة 3/5/2013) أنها أحضرت من إستانبول كل ما وجدته من وثائق تتعلق بالحصن. ونحن ننتظر قراءتها واستخلاص ما فيها.

مع بداية القرن التاسع عشر زاد عدد السكان، وزادت نسبة النصارى فيهم. فقد ذكر بيركهارت (1812) أن سكان الحصن حوالي 100 عائلة، منها 25 نصارى، أغلبهم روم ارثوذكس. لكن بكنجهام (1821) ذكر أن سكان الحصن حوالي 200 منهم 14 أو 15 نصارى. وأظن أن أرقامه غير صحيحة. ففي ذلك الوقت كان في الحصن من النصارى آل غنما (الغانم) وآل أيوب والنمري وعماري وربما غيرهم. كما يذكر أن بيت الشيخ على التل.

آل غنما أصلا من منطقة الكرك من بقايا نصارى العرب. ولهم في سبب ارتحالهم من الكرك قصة. إذ رحلوا أولا إلى منطقة رام الله، ولم تطب لهم الإقامة فيها. ثم رحلوا إلى فيق في حوران، ثم إلى علعال. وفي علعال زار شيخهم عبد الله الغانم سعيد باشا مع سبعين خيالا، وأحسن عبد الله ضيافتهم. وبعد مدة انتقلوا إلى الصريح، وأخيرا استقروا في الحصن. وعبد الله هو الذي نزل عنده الرحالة الذين ذكرناهم آنفا. وكان على علاقة قوية مع شيخ الحصن ابن نصير. وحفظ الأبناء والأحفاد طيب العلاقة. واستدعى عبد الله كاهنا ليقوم بالخدمة الدينية للنصارى الروم الأرثوذكس هو عيسى جوينات. وهكذا زاد سكان الحصن جماعة أخرى.

وربما جاء بعد ذلك أيوب نويصر (جد آل أيوب) من عولم بجوار الناصرة، وأصلهم من بصرى اسكي شام. وقد يكون ذلك قبل 1780، لأن هذا هو تاريخ بناء مضافتهم. ولا شك أن علاقة قوية جمعتهم مع آل نصير. وقد وجدت في أوراق سلطي باشا (بن ابراهيم بن أيوب) أن عبد الرحمن بن كايد نصير جاء من صما، وقيل له إن أيوب مات. فجاء وكشف عن وجهه وقال: إنه أزين من يوم ما زفيناه من سوم الشناق. (وأقدر موته قبل سنة 1850). وقد عاش ايوب 110 سنوات، وعاش ابنه ابراهيم 70 سنة، وعاش سلطي أكثر من 108 سنوات (مات سنة 1964).

وجاء بعد آل أيوب ناصر عباسي جد العمامرة، وعبد الله عيسى أبو الشعر. وكان هذا في أيام كايد نصير (قتل سنة 1825). وجد آل النمري هو عبد الله القلزي. والقزي لقب للكتاب المحاسبين. لأن عبد الله كان كاتبا عند الأمير الغزاوي. وأصلهم من بصري اسكي شام.

في هذه الفترة وحوالي 1855-1860 استطاع حلف رباعي من محمد الهنداوي وعبد الرحمن حلوش وعبد الله الخليل وعبد العزيز الناصر وأخيه عبد الله، أن يغلب النصيرات في الحصن ويسكن القلعة. وجلا عبد الرحمن نصير وحلفاؤه إلى النعيمة. إلا أن سيرة بعض رجال هذا الحلف مع النصارى لم تكن حسنة. وكان أهل الحصن يستقون من سيح محل مبنى البلدية الحالي. ولم يكن أكثر الرجال يلبسون السراويل. ولذلك عندما كانوا ينشلون الماء كان أحد عمالهم يضع طرف ثوبه في حزامه أو في فمه، وقد تبين عورته. واحتج النصارى على هذا الفعل القبيح، حتى إن سيدة من آل النمري (نزهة)، ضربته بالدلو على وسطه. واتفق النصارى على العمل لإخراج هذا الحلف. وهذا يخالف ما ذكره د. أحمد صدقي شقيرات وغيره أن إخراج النصارى كان بمشورة ومساعدة من الشريدة. فذهب وفد من نصارى الحصن إلى الجد عبد الرحمن في النعيمة، نادمين على خذلانهم إياه فيما سبق، واستعدادهم للوقوف معه. فأرشدهم إلى أن أحسن السبل للخلاص منهم هو الذهاب إلى دمشق والاتصال بالقناصل الأوربيين ليضغطوا على الوالي العثماني ليأمر بإخراجهم. وهكذا كان. وبعده قدم مسيحيو الحصن عرض حال لقائم مقام سنجق عجلون، الذي جمع المجلس التنفيذي للسنجق (ويتألف من كبار الموظفين والمخاتير). وأصدر قرارا بإخراج هذا الحلف من الحصن، مع أمور اخرى كما في الوثيقة المرفقة. وكان ذلك في تموز 1869. وأخبرني أبي أن خروجهم كان في عيد الأضحى، وأنهم عيّدوا على البيادر. ورجع الجد عبد الرحمن إلى الحصن وسكن التل، ومعه أقرباؤه المسمون “العبود”، الذين سكنوا في البلدة قريبا من المسجد القديم. ويقولون إنهم من النصيرات، ولم أتمكن من توثيق ذلك. وتزوج محمود فنيش وكايد محمد وعقلة محمد وزبن السعيد من العبود. ويقال إن العبود كانوا كثيري الإزعاج، فرحّلهم عبد الرحمن إلى النعيمة – درعا، وأحضر محلهم محمد الهرش من كناكر قريبا من درعا. وكان محمد صاحب علم شرعي وصار إماما للمسجد فلقب بالشرع، وهذا هو الاسم المعروف به أحفاده. ورجع مع عبد الرحمن علي وولداه محمود وصالح المغير، وكان لهما ابن عم موسى في زور كفرة غرب نهر الأردن، فأحضراه. وهؤلاء الثلاثة هم أجداد عشيرة المغايرة. وأقدر أن مدة مكوث الحلف الرباعي من 10 إلى 15 سنة. لأنهم أول من قبر في التل أمام مقام الحصني، كما أخبرتني جدتي بورة محمد السعد، وكان عدد قبورهم ستة أو سبعة. ودخلت الحصن ومنطقة شرق الأردن في الإدارة العثمانية المباشرة بعد صدور فرمان التنظيمات سنة1864. وكانت تابعة لسنجق عجلون الذي مركزه اربد، ويديره قائم مقام، ومعه مجلس تنفيذي. وسنجق عجلون جزء من لواء حوران الذي مركزه درعا. ولواء حوران تابع لولاية الشام. ومنذ 1969 صار لسنجق عجلون مجلس إدارة قضاء. وكان أعضاؤه المحليون منتخبين أو معينين. ومدته سنة قابلة للتجديد. وعدد أعضائه من 3 إلى 7. ولا شك بوجود تنافس على العضوية بما تعني من زعامة. وتفيدنا شكاوى على بعض الإداريين، من أنهم كانوا يطلبون رشاوي من أجل التعيين. وضمت ناحية بني عبيد سنة 1871 قرى: الحصن (وفيها يقيم الشيخ) والصريح وإيدون وناطفة وهام وحبكا وجحفية وصمد وكتم والنعيمة وشطنا وصخرة والمزار. ومن سالنامة 1893 نجد أن في الحصن مكتبا ابتدائيا (مدرسة رشدية) للذكور. وتذكر سالنامة 1896 مكتبا لإناث في الحصن. لكن مدرسة الروم الأرثوذكس للذكور بدأت سنة 1870، كما تأسست مدرسة أخرى للروم اللاتين سنة 1890. وظلت مدرسة الحصن الرسمية قائمة حتى السادس الإبتدائي، وبني لها مبنى مستقل تصدع في زلزال 1927، وهدم في أوائل الخمسينات وبنيت مدرسة بالتقسيط لأن البناء كان على حساب البلدية. وكان مدير المدرسة سنة 1926 مصطفى وهبي التل، وكان أبي أحد طلابها. وأخبرني الوالد أنه كثيرا ما أغلق المدير المدرسة احتجاجا على الحكومة. والتحقتُ بالمدرسة الرسمية في الصف الثاني الإبتدائي سنة 1948، في المبنى المتصدع. وكنا صفين في الغرفة الواحدة: الثاني والثالث. ودلفت المدرسة في السنة التالية وصارت خطرا على الطلاب، فاستأجرت الوزارة علالي عصفور. ثم استأجرت دار محسن أبو عبيد. وتضم شبكة مدارس الحصن الرسمية هذا العام (2013) 14 مدرسة رسمية للذكور والإناث، عدا عدة مدارس خاصة.

وقد تكون الحصن أكثر مدن الأردن نسبة في الدرجات الجامعية. ولا أظن أن أحدا من أهل الحصن دون الستين من العمر هو أمي. وتفتخر الحصن بأن اول درجة دكتوراه في الأردن نالها شاب من الحصن هو عقيل أبو الشعر من مواليد 1893، الذي حصل على الدكتوراه من جامعة السوربون في باريس سنة 1921. لكنه هاجر إلى الدومينيكان ووصل إلى منصب وزير الخارجية. ومن أبناء الحصن الدكتور خليل السالم الذي حصل على درجة البكالوريوس من الجامعة الأمريكية في بيروت سنة 1940.

وكان اقتصاد أهل الحصن يعتمد على الزراعة وتربية المواشي. وساعد على ذلك اتساع الرقعة الزراعية (57 ألف دونم) وتنوع الأرض. وكان أهل الحصن يزرعون الحبوب بأنواعها: القمح والشعير والكرسنة والعدس والذرة البيضاء والسمسم، وبعض الزراعات الصيفية كالبطيخ والقثاء وأمثال ذلك. وكانت جميعا زراعة بعل، تعتمد ماء السماء. (بعل هو إله الخصب لدى الكنعانيين). وكانت سوق الحصن محط تصريف فواكه التين والعنب والصبر وغير ذلك مما اشتهرت به قرى حولها. ومع نشوء البلدية وجد قسم “الباج”، كلمة تركية تتعلق بالضرائب على ما يباع في السوق، بما فيه الحيوانات. وكانت الحراثة تعتمد على الثيران للحيازات الكبيرة نسبيا. وتقاس ثروة شخص ما بأن حيازته “مشد فدان” أو “فدانين”. والفدان هو زوج من الثيران. وغالبا ما يستأجر الفلاح الحصني حراثا من فقراء الحصن أو القرى حولها على نسبة من الغلة. أما صاحب الحيازة الصغيرة نسبيا فقد يكون حراث نفسه ويستعمل الخيل، وتسمى “اكديش أو اكديشة”. (كدش، الكدش هو السوْق والاستحثاث – كلمة فصيحة)، تمييزا عن الخيل الأصيلة غير الممتهنة. وكان بعض اهل الحصن يقتنون (يملكون) خيلا أصيلة، يحافظون على نسبها المميز. وتقاس الأرض بالقيراط، وتختلف مساحته اختلافا يسيرا حتى في البلد الواحد. والربعة هي 24 قيراط، والثمنة هي 12 قيراط، ونصف الثمنة هي 3 قراريط. وللمقارنة، فإن حيازات أبي في الحصن كانت ثلاثة قراريط ونصف، في أربع مواقع. فقيراط أرض شمشان (كلمة كنعانية تعني الشمس) كان حوالي 12 دونما، بينما قيراط المزاهر حوالي 8 دونمات. وكان يحرث لنفسه أكثر السنوات مستخدما اكديشا أو اكديشة. ونقل القش المحصود إلى البيدر كان يتم على جمال يستأجرها الفلاح من البدو. أما دراسة الزروع المحصودة (أي تقطيع المحصود ليصار إلى فصل الحب عن القش الذي يسمى التبن) فكانت تقوم على زوج من البقر أو الحمير أو اكديش. على أن آداب الزرع والحصاد وما يتعلق بها تحتاج إلى مقالة منفصلة. وكانت الحصن إحدى القرى التي تصدر كثيرا من محاصيلها إلى القرى حولها أو إلى عكا في فلسطين، تنقل على الجمال قبل عصر الشاحنات والقطار. وبسبب توفر التبن والعلف والرعاة كان لأهل الحصن عدد وافر من الأغنام، ربما زاد على 50 ألف من الغنم؛ إضافة إلى البقر. ومن ليس عنده الكثير فإن عنده القليل لاستهلاكه، ويسمى “منوحة”. وكانت الغنم تعطى لراع بدوي على جزء من الناتج يسمى “أفلاج”. وكانت الناس تنتج من الحليب السمن والجميد واللبنة والجبنة والكشك، لاستهلاك أهل الدار، ويباع الفائض.  وعندما كان أجدادي شيوخ الحصن كان على أهل الغنم أن يقدموا للشيخ مقدارا من السمن. لكن بداية تغير أنماط الحياة في أواخر خمسينات القرن الماضي، ونزوح عدد وافر من الجيل الجديد إلى عمان والزرقاء والمفرق، وانشغالهم بالوظائف الحكومية والتحاقهم بالجيش الأردني، وأعمال أخرى، وسنوات الجدب من 1958 إلى 1961 قضى على الثروة الحيوانية.

ومع أن فرمان إنشاء بلدية في الحصن صدر في نهاية القرن التاسع عشر، إلا أن أول تعيين لرئيس فيها كان سنة 1908. وتولى الرئاسة عقلة محمد نصير. ثم جمدت البلديات مع بداية الحرب العالمية الأولى. وجرى إحياؤها في اول عهد الإمارة. وتناوب على رئاستها سلطي الإبراهيم ومحمود الفنيش وسليم أبو الشعر ويوسف النمري. ثم جمدت في ثلاثينات القرن العشرين وأعيد إحياؤها في أربعيناته. وفي سنة 2003 جرى ضم الحصن وبلديات أخرى في نطاق ما سمي “بلدية اربد الكبرى”. وكانت نكسة على كل الأصعدة.

وقد وجد عبد الرحمن المسلمين في الحصن قلة، فحاول زيادة عددهم. وهكذا استقدم إلى الحصن فرعا من الرشدان جاؤوا من بشرى، وأصلهم من دير أبي سعيد. وهما فرعان: أبناء سليمان الأحمد وأولاده هما سالم وسليم ومحمد. ولم ينجب سليم، وأنجب محمد بركات ونجيب وعلي (طخشون) ورزق؛ وأنجب سالم محمود (دحيدل) وسليمان وعلي. وفرع عليان الذي أنجب وسبع بنات، إحداهن حليمة أم محمود فنيش. وولد لعلي الأبناء عايد وزاهي وأمهما من المساعدة من كتم، وإبراهيم وأمه من العودات، وقد قتله في شجار محمد رحيل العودات، وعاشت من بعده ابنته موزة، ودايس ويوسف وأمهما نزيلة السليم من نصيرات ناطفة. وقد يكون أحمد وعليان ابني عم، ولم أتوثق من ذلك، ولم أجد من أخوالي من يفيدني أكثر.

ويمكن الاستعانة بالوثائق العثمانية لنتعرف على الحصن وسكانها، وبخاصة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وقد ذكرت د. هند أبو الشعر تفصيلات في كتابها النفيس “اربد وجوارها . . . “. ومن ذلك نجد أن الحصن في آخر عقدين من هذا القرن كانت أعمر مدن الشمال، حتى بلغ عدد سكانها 2500؛ وكانت 3 حارات: غربية (81 دارا3 طوابين)، وشرقية (52 دارا، 7 طوابين)، وقبلية (134 دارا، 4 طوابين). ومن هذه السجلات يمكن أن نستنتج أن من سكانها: نصيرات، ونمري، وغنما، وأيوب، وعماري، وأبناء صالح فليح (حسين وحسن وإبراهيم)، وعبد الرحيم فليح (وأولاده محمد وأحمد ومحمود)؛ ومحمد بن مصلح وعبد الرحمن بن علي الصالح (جدا المصالحة)؛ ومحمد مصلح (جد المصالحة) تزوج بنت علي بن قاسم المغير، ربما جاء من الكورة، وخليل (جد الخلايلة) وأمه حميدية، ومحمد عودة (جد العودات) جاء وحيدا من قرية بجانب كوكب الهوى، ووجدت في كتاب د. هند في سجلات الأسماء: باير بن خليل حتمل ومحمد بن عودة حتمل. ولا يعني ذلك أن عودة وباير أخوان، ولا نعلم كم من الجدود بين هذين والجد حتمل. وجيء بمحمد (الهرش) الشرع (جد الشروع) كما ذكرنا آنفا. ونجد أسماء عبد الله وشحادة وقاسم وفارس وحسين وعلي أبناء لمحمد الخليل. ونجد أسماء محمد الشيخ واسماعيل محمد، وحسن بن سلطي المغيص وأخاه حسين، ومنصور بن عبد الله دعيبس، وسمير بن فارس أبو حصان، وحسين بن ربيع وأخاه عبد الله، وأناس من أبناء أسعد وعلي أبي زيد، ومحمود بن عبد الخالق بن محمد البطاح. كما سكنها عائلات من الزقيبة والحجي وطشطوش وحمتيني وعلان وغيرهم. ومع ذلك بقي النصارى الأكثرية حتى نهاية السبعينات من القرن الماضي. ومن يريد الوسع في هذه المعلومات يمكنه مراجعة كتاب الدكتورة هند أبو الشعر المشار إليه آنفا. كما أن عددا من أبناء الحصن كتبوا في موضوع الحصن وعشائرها، إضافة إلى مؤلفين آخرين.

وتأثرت التركيبة السكاني في الحصن بعدة عوامل، منها تغير طبيعة أعمال الأجيال الجديدة في النصف الثاني من القرن العشرين، كما ذكرنا آنفا؛ كما أن نكبة 1948 جعلت عددا من أهل فلسطين يسكنون الحصن مؤقتا الذي ما لبث أن صار دائما. وساعد على هذه التغييرات هو تسامح أهل الحصن مع (الغريب). وهكذا مع سنة 2010 بعد أن بلغ عدد سكان الحصن 30 ألفا، قد تكون نسبة اهل الحصن الأصليين لا تتجاوز الثلث؛ والباقي من أهل فلسطين أو القرى خارج الحصن. وقد بنى فيها عدد وافر من أساتذة جامعتي اليرموك والعلوم وموظفيها بيوتهم، إضافة إلى سكن العاملين في جامعة اليرموك المقام على ارض الحصن (الطيارّة). ولا ننسى مخيم الشهيد عزمي المفتي الذي يصل عدد سكانه إلى العشرين ألفا المقام على أرض الحصن. بل إن كثرة البناء مسحت الحدود بين الحصن وإيدون والصريح، مع الامتداد إلى اربد. ومع أن نسبة النصارى في الحصن كانت الأكبر، ربما لأوائل السبعينات، وظل عدد الكنائس، بسبب اختلاف الطوائف النصرانية، أكثر من عدد المساجد، فقد وصل إلى خمسة كنائس مقابل مسجد حتى 1984، وثلاثة مساجد حتى نهاية القرن العشرين، فإن في الحصن اليوم 14 مسجدا، مما يؤكد زيادة نسبة المسلمين على نسبة النصارى. وأعجب وأنا اتجول في الحصن، كيف أن حارا ت النصارى صارت حارات للمسلمين بتمامها أو بأكثرها. وكما هي الحال في المدن، فلا توجد حارات، وبخاصة في الأحياء الجديدة، مخصصة لطائفة او عشيرة. والسبب هو حمى بيع الأراضي سواء أكانت داخل حدود البلديات أو الأراضي الزراعية.

من تاريخ النصيرات

نسبا، فالنصير والشعلان من المرعض، من زايد الرولة من الجلاس، من مسلم من أسد من ربيعة من معد من ربيعة من عدنان من اسماعيل فإبراهيم عليهما السلام. وليس من السهل تحديد أزمان هذه الجدود، فبين كل جد وآخر أجيال لا نعلمها على وجه الدقة. ويقال إن جدهم في الإسلام هو عكاشة بن محصن بن حرثان بن أسد بن عطية بن بكر بن وائل بن ربيعة من عدنان. وعكاشة هذا هو الذي فاز بتزكية الرسول صلى الله عليه وسلم عندما تحث عن سبعين ألفا وجوههم كالبدر يدخلون الجنة دون حساب. فقام عكاشة وقال للرسول الكريم اجعلني منهم، قال أنت منهم. فقام آخر وطلب الأمر نفسه صحابي آخر، فقال الرسول الكريم: سبقك بها عكاشة، وذهبت مثلا. لكن هذه الرواية مرفوضة، وقد جاء بها أولا عارف العارف.

ووجدت أن النصير (بتشديد النون) هو من النصير من حسين من منصور من حسن من المرعض. ومن المرعض ثلاثة أفخاذ هم: (1) النصير ومنهم النَّصير (بفتح النون وتشديدها)، والنصِّير (شدة مع كسرة على الصاد) والفججة، والكبوش. (2) والعلمة. (3) والجبران، ومنهم المحمد الشعلان، الحمدان النواصرة، والحمد القطاعا، والحمود الحمودية. ونصيرات الجوف ينحدرون من العواد؛ وأقرب الناس إليهم نصيرات ابطع الذين ينحدرون من حسن بن سويلم بن العواد بن راشد من الكبوش. ومن الكبوش إضافة إلى العواد: الشلية والحماد والحمود. ونصيرات الحصن ومن معهم ينحدرون من النصِّير (بكسر الصاد وتشديدها).

وكتب ابن العم أبو راشد، أن من ذرية حسن بن نصير جاءت فروع عديدة كما في الشجرة التالية:

نصير

حسن

راشد        محمد        قعدان        أحمد

علي                                  محمد

راشد         حمد                   بدران               أحمد             قعدان

حمادة                                 قويدر                علي      سلمان

رشيد                                  يوسف                عبد الرحمن

عبد العزيز                               حسن                    بصراوي

فواز

 

 

محمد      عبد الرحمن    سعود    أحمد

 

وقد وصلني من المهندس سيف الدين عن النصيرات في الأنبار في العراق ولهم أقارب في البوكمال ودير الزور في سورية، وأنهم من نسل قويدر بن بدران بن محمد بن حسن بن نصير من المرعض من الرولة، كما ذكر أعلاه. ونسب سيف الدين هو: سيف الدين بن أحمد بن موسى بن احمد بن داوود بن سليمان بن حسين بن قويدر. ويرجح أن حسن وتوبة أخوان.

تنحدر عشائر النصيرات المعروفة اليوم في الجوف وفلسطين والأردن وسورية من توبة بن نصير. وأبناء توبة ثلاثة:

1-نصير، جد نصيرات الجوف والحصن وناطفة وسال وصما ومندح وابطع والنعيمة (حوران). وسنعرض بشيء من التفصيل لهؤلاء.

2-ناصر، جد نصيرات بئر السبع واريحا وكفر قدوم وعتيل وطولكرم وشويكة.

3-نصار (ويقال إنه منصور)، جد نصيرات جنوب سيناء.

ومنازل هؤلاء الأصلية قريبة من المدينة المنورة. وتوجد بئر قديمة في تلك الديار تسمى “بئر النصيري”.

ثم ارتحلوا إلى منطقة تيماء. ومنها بدأت الهجرة والتفرق. فهاجر قسم منهم (ابراهيم بن احمد بن مصطفى بن علي بن نصير بن توبة) إلى الأردن واستقروا أولا في الحصن. وأقدر أن ذلك كان في المدة 1740-1750. وسنفصل في تاريخ هؤلاء في فقرات قادمة. ورافق نصيرات فلسطين في رحيلهم قبيلة المساعيد. واقتتل الطرفان في وادي عربة، بسبب فتاة كانت طنيبة على أمير النصيرات، أراد أمير المساعيد الزواج منها ضد رغبتها. ونتج عن هذا الاقتتال استقرار قسم من النصيرات في منطقة ضانا غرب الطفيلة لمدة من الوقت. ونصيرات ضانا هم بنو الشيخ أحمد بن . . . بن ناصر بن توبة. ثم هاجروا إلى منطقة كفر قدوم في فلسطين سنة 1080 هـ (1163 م). وهناك ناصروا الحلف اليمني ضد القيسي (مع أنهن قيسيون)، ضد عشيرة الشتيوات. وجرت حروب بين الطرفين، انتصر فيها النصيرات أولا، ثم كانت الكرة للآخرين. وبعدها هاجر قسم من النصيرات إلى دير البلح، وقسم آخر إلى قرية عتيل بقضاء طولكرم.

وأنجب الشيخ أحمد من يلي:

  • يس (قمير) جد عشيرة قمير في كفر قدوم. ومنازلهم كفر قدوم ونابلس وطولكرم.

وأفخاذهم: القدومي وصوفان وعبيد وريان وعودة.

2-ناصر، وهو جد آل ناصر في عتيل ويقارب عددهم العشرين عائلة.

3-نصير، وعقبه في دير البلح.

وقسم آخر من النصيرات اتجه بعد أحداث وادي عربة إلى شمال سيناء. ثم هاجروا إلى منطقة غزة، وعندهم تاريخ، وجرت بهم أحداث وتنقلات. وهم أقدم وجودا من النصيرات القادمين من كفر قدوم.

ثم تنقسم النصيرات من بعد ذلك ثلاثة أقسام هي:

1-الفقيرين، واحدهم الفقيري. وهم الأقدم وجودا في منطقة غزة. ويشملون أيضا نصيرات اريحا والأغوار. وهم فرعان:

أ-عيال سالم، وأفخاذهم: الغربات (أبوغربة)، والجرابين (أبو جريبان)، والسعايدة (ابن سعيد)، والغليبات (أبو غليبة)، والحمامات (أبو حمام). وكل من هؤلاء يشمل عدة عائلات.

ب-عيال حمد، وأفخاذهم: القدّايمة (القدّيم)، البليميين (أبو بليمة)، العجاينة (أبو العجين)، البراعمة (بريعم). وكل من هؤلاء يشمل عددا من العائلات.

2-الكرشان (أو الكريشان)، وهم من نسل نصير بن أحمد القادم من كفر قدوم، بالإضافة إلى المصدر، وفروعهم:

الزوايدة، نسبة إلى (أبي زايد)، المزايدة، (أبي مزيد)، الخوالدة، (أبي خالد)، العيادات، (ابن عيد)، المصادرة، (المصدّر). ولكل فرع عدد من العائلات.

3-الغدايرة، وهم البطن الرئيسي الثالث من النصيرات. وينحدرون من قبيلة الحويطات، على أنهم رافقوا النصيرات وحالفوهم منذ زمن بعيد، وانصهروا فيهم.

وكانت مناطق النصيرات قبل 1948 تمتد في قضائي بئر السبع وغزة، ويتبعون إداريا قضاء بئر السبع. ثم مع النكبة والهجرة خسروا كثيرا من أراضيهم في قضاء بئر السبع، وبقي لهم الكثير في قطاع غزة. ومخيم النصيرات اكتسب اسمه لأنه مقام على أراضيهم. وكان المرحوم فريح المصدر، شيخهم، انتبه منذ وقت مبكر إلى أهمية الاستقرار واستغلال الأرض. ويتواجد نصيرات بئر السبع اليوم في قطاع غزة، وقلة منهم في داخل الكيان الصهيوني في اللد وبئر السبع وقلنسوة. وبعضهم في شمال سيناء، وقلة في الأردن. وكان عدد النصيرات في فلسطين سنة 1948 حسب إحصاء صدر عن هيئة القدس في لندن 14000 نسمة. وبعد حرب 1967 نزح كثير من نصيرات أريحا والأغوار إلى الأردن وسكنوا في صويلح والبقعة وعين الباشا وعمان (أم السماق) ومرج الحمام. ويقدر عددهم ما بين 2000-2200 نسمة. وتوجد نصيرات في جنوب سيناء مساكنهم مناطق جبلية وعرة، ويقدر عددهم بحوالي 700 نسمة. وتوجد وثيقة تؤكد وجودهم عام 800 هـ (حوالي 1400 م).

وتوجد جماعة كبيرة من نصير (أو ابو نصير) في مصر، وكانوا أولا في طنطا ومنطقتها. وجرى التعرف عليهم بالصدفة. إذ كان العم بدر سعيد نصير يعمل مفتشا في سكة حديد فلسطين. وذات يوم (أواخر ثلاثينات القرن الماضي) وهو يفتش على تذاكر الركاب دخل مقصورة فيها ضابط كبير، رفض هذا الضابط أن يريه تذكرته. وبعد شيء من الكلام عرف كل واحد منهم أن اسم عشيرته هو واحد (نصير). ثم فيما بعد، في سبعينات القرن الماضي جرت زيارات بين أفراد من الطرفين. كما تمت لقاءات في السعودية. ولا أعرف شيئا عن توحد الأصل بيننا وبينهم.

كما وجدت عائلة مسيحية تحمل هذا الاسم في الناصرة. هاجر الأخوان نايف وعبد الله نصير إلى شرق الأردن في بدايات عهد الإمارة. وكان نايف محاسبا، وعمل عبد الله قاضيا. ولبعض أعمامي علاقات معرفة قوية مع الأخوين نايف وعبد الله ثم مع بعض ذريتهيما. وكانت نجلاء عبد الله نصير طالبة في الجامعة الأمريكية في بيروت أيام ما كنت طالبا وإن كنت أسبق منها. كما أن أخاها الدكتور يوسف عمل مديرا للمركز الوطني للمعلومات في سنوات إنشائه الأولى.

وذكرنا نصيرات ابطع في جنوب سورية، وهم يشتركون مع نصيرات الحصن بأنهم متحدرون من نصير الذي سكن الجوف. وينحدرون من نسل حسن بن سويلم بن عواد بن راشد من الكبوش من نصيرات الجوف. ولنصيرات الحصن معهم علاقات قوية. وإحدى زوجات عقلة المحمد هي من نصيرات ابطع (وربما لفظها السابق هو ابطح)، ولقبها الحورانية. وولدت له ولدين: تركي ونعيم. (صار ضابطا في الجيش العربي الأردني، ثم ترك الجيش ليدرس الاقتصاد مبعوثا من جامعة اليرموك، في أواخر سبعينات القرن الماضي. وهو الآن برتبة أستاذ). وتزوج أخته محمد أمين بركات السليم (من نصيرات ناطفة)، وكان من ضباط الجيش العربي. كما أن (اللواء المتقاعد) محمود فالح الخطيب (من فليح) تزوج إحدى بنات محمد أمين. كما سنذكر في فقرة قادمة نصيرات الحرجلّة في سورية. ويقول العبود (نسبة إلى عبد الله بن إبراهيم) الذين يسكنون النعيمة السورية (أو نعيمة حوران) إنهم من النصيرات، وأنهم كانوا مع عبد الرحمن الكايد في النعيمة (بني عبيد) في أثناء مقامه فيها. وأنهم عادوا معه إلى الحصن سنة 1869. وحدثني بعض الأعمام انهم كانوا مثيري شغب في الحصن؛ فعمل عبد الرحمن على تهجيرهم إلى نعيمة حوران، ربما في سبعينات أو ثمانينات القرن التاسع عشر. وكتب لي ابن العم جهاد أنه زارهم مرتين، ويجمعون على أنهم من نصيرات الحصن، ويقر لهم نصيرات ابطع بنسبهم إلى النصيرات. وكتب لي “حدثني الحاج مفلح العبود وعمره 91 سنة، بأن للعبود أرضا في بني عبيد، بينما كان لمحمود الفنيش وعقلة المحمد وكايد المحمد أرض في النعيمة-درعا، مساحتها 6 ربعات (حوالي 1800 دونم تقريبا، وتختلف المساحة حتى في البلد الواحد. والربعة 24 قيراطا؛ ونصفها ثمنة، ونصف ثمنة هي 6 قراريط، وهكذا.)، جرى تبادلها”. ويبقى نسبهم الدقيق أمرا غير معروف عندي.

ومن الطبيعي أن يتفرق الأحفاد في البلدان سواء أكان داخل القطر أو خارجه.

النصيرات في الأردن وسورية

ذكرنا أن أحد أبناء توبة بن نصير هو نصير. وهو جد نصيرات الجوف وجنوب سورية والحصن وتوابعها. على أنه، عندما يذكر الجد نصير، فيقصد به جدان، الجد الأول الذي هو أب أو جد توبة، وإليه تنتسب عشائر النصيرات جميعا، ممن ذكرت آنفا، والحفيد نصير بن توبة الذي ذكرناه في مستهل هذه الفقرة.

ومن النصِّير فخذان كبيران: (1) فخذ علي ومنه مصطفى ومنه أحمد ومنه ابراهيم. وللأستاذ ركاد نصير استقصاء عن الأجيال، إذ وجد أن الجيل حوالي 60 سنة. وأقدر أن ولادة ابراهيم كانت حوالي 1720. وأنه جاء إلى الحصن حوالي 1745-1750، وتزوج من الهزايمة. وقد رزقه الله سبعة أولاد (وربما بنات ليس لهن ذكر)، على مدى 15-20 عاما. وربما كان أصغر أبنائه عندما طلب منه أحمد بن ظاهر العمر شابا ليشنقه، كان في حدود 10-15 سنة من العمر. ونفصل القصة في فقرة قادمة. (2) علي الذي منه عباس الذي منه مصطفى الذي منه مهنا، والأخير جد الفليحين. ومن فخذ علي ظهر أفخاذ أبو عين ونصيرات مندح وغيرهم.

جاء الجد ابراهيم من تيماء، بعد أن تفرق عدد من إخوته السبعة في البلدان. فمنهم من ذهب إلى فلسطين، وربما عاد آخرون إلى الجوف حيث أصلهم. وكانت الحصن مسكونة من قِبَل عشيرتي الدويري والهزايمة. وشيخها من الدويري. تزوج ابراهيم من الهزايمة، وصار عديلا للشيخ الدويري. وبعد عدة سنوات استولى على منصب الشيخ بحيلة، جعلت الشيخ الدويري غاضبا، وعقد العزم على قتله بخطة وضعها مع جماعته. لكن الهزايمة حموا ابراهيم؛ وربما سقط من الطرفين إصابات حفزت الدولة إلى إخراج الطرفين من الحصن. والوثيقة التي ذكرناها آنفا تؤكد شيخية ابراهيم للحصن سنة 1766. وجاء آل غنما في النصف الثاني من هذا القرن. وربما حوالي 1774 ترك أحمد بن ظاهر العمر الحصن في قصة نذكرها أدناه:

كان شيخ الحصن منذ حوالي 1760 ابراهيم بن مصطفى نصير (ولقبه الخطيب لأنه كان يحسن القراءة والكتابة)، كما في الوثيقة المشار إليها. وبما أنه لم توجد إدارة مباشرة للدولة العثمانية في منطقة شرق الأردن، فقد كان الشيخ هو كل شيء: القائد والجابي والقاضي والشرطي. ووسع ظاهر العمر الزيداني نفوذه في منطقة عجلون، وأرسل ابنه أحمد ليكون حاكما. بدأ ببناء قلعة ومسجد في تبنة، انتهى منهما حوالي 1770؛ قم انتقل إلى الحصن. وعلى تلها بدأ ببناء قلعة. وبعد أن انتهى بناء الطابق الأول من القلعة، وبناء السور، وللسور بوابة فيها مشنقة، طلب الزيداني من جدي، ذات يوم، أن يحضر له في صباح اليوم التالي أحد أبناء النصارى ليجرب فيه المشنقة. وعاد جدي إلى بيته مهموما يقول لنفسه من هو هذا الشاب الذي سينتزعه من حضن أمه أو زوجه ليقدمه لهذا الظالم. وعندما عاد لمنزله وسألته زوجه عن همه وأخبرها، قالت له ببساطة وعفوية: بالله عليك لا تفجع أما أو زوجا. غدا عندما يأتي هذا الظالم فليأخذ أحد أبنائنا. ونام جداي بعد أن وجدا حل هذه المعضلة. ولكن الله كبير؛ ففي منتصف الليلة كان دق عنيف على الباب، وسأل جدي: من الطارق؟ فقال: أحمد الزيداني. فقال جدي غدا صباحا أحضر الولد، فقال الزيداني افتح الباب؛ فقام جدي لا تحمله رجلاه من الخوف وفتح الباب. فإذ بهذا الجبار يحتضن جدي قائلا: أنا دخيل عليك يا ابن نصير، أنا طنيب عليك يا ابن نصير. فسأله جدي ما حدث؟ فقال قد أرسل أحمد الجزار رجالا ليقتلوني، أوصلني سالما إلى الأمير الغزاوي في الغور. فقام جدي وأيقظ عددا من رجاله، وأعطاهم ورقة عليها ختمه، وقال توصلون هذا الضيف إلى الأمير الغزاوي في الغور وتأتون بختمه على هذه الورقة. وقال للزيداني أعطني مفاتيح التل (القلعة). وأشاع جدي أن الغزاوي ذهب لزيارة أبيه في شفا عمرو. وكان عمال البناء يعملون سخرة (دون أجر). ولكن بعد مدة أدرك العمال أن الزيداني لن يعود؛ فهربوا. وسكن جدي التل. ولم يكتمل بناء الطابق الثاني في القلعة.

مات إبراهيم بعد أن خلف سبعة أبناء، وخلفه في الشيخة ابنه الأكبر محمد. وجرى استدعاء محمد إلى الحكومة في دمشق. ولا نعرف متى كان ذلك. وفي الطريق عرج على قرية الحرجلة (قريبا من الكسوة)، وتزوج إحدى بناتها من عائلة البكري الكرام. تمت المقابلة في دمشق مع الرسميين، ولا نعرف ما جرى. إلا أن رواية الأجداد تقول إنه مات مسموما في طريق العودة وقبره في الصنمين. لكن عروسه من الحرجلة حملت بصبي. وكبر عند أخواله ونسب إليهم. إلا أنه في ثلاثينات القرن الماضي تم تعرفهم على نصيرات ابطع (قرية شمال درعا وأغلب سكانها نصيرات)، وعادوا ليحملوا اسم أجدادهم، في قصة أخرى. وعقب محمد من ولده حسين، من سكان الحصن (وناطفة) يسمون “الحسينات” نسبة إلى جدهم حسين بن محمد.

وخلفه في الزعامة أخوه كايد. ويذكر بيركهارت (1812) وبكنجهام (1921) عندما زارا الحصن وكانا ضيفين على عبد الله الغانم، أن بيت الشيخ موجود على التل. وحسب رواية الأجداد فإن الحكومة جمعت عددا من شيوخ قرى الشمال، ربما لتختار شيخ مشايخ من بينهم. فأعجبهم منطق الجد كايد وصاحبه عبد الله الغانم (ويعرفون الآن غنما) (من مسيحية الحصن). فحسدهما ابن العزام والشريدة واتفقا على اغتيالهما بكمين ينصبانه في أرض الشيخ خليل (حيث يوجد مجمع السفريات القديم) في اربد. واستطاع الشريدة أن يغتال كايد، إلا أن فرس ابن غنما نجته، وكان ذلك سنة 1825. وخلف كايد ولداه سعد وعبد الرحمن. وارتحل أخواه أحمد وعبد الله إلى قرية ناطفة، ونسلهما هناك. إلا أن عبد الرحمن طلب من أخيه سعد أن يذهب إلى ناطفة، وصار شيخها. وقبر سعد في قرية مرو (شرق اربد)، وكان أهلها يوقدون عنده الشموع ويقدمون البخور لهذا الولي، كما أخبرني والدي أكثر من مرة. ولسعد ستة أولاد: محمد ومحمود وأسعد وعبد القادر وأحمد وعلي. وصار محمد شيخ ناطفة بعد وفاة والده، وكان مشهورا بالكرم ورعاية الأيتام والأرامل. وعقبه جميعا ثلاث بنات: فاطمة وآمنة وبورة، والأخيرة جدتي لأبي. وتزوجت فاطمة من أحمد الحسين (من فخذ الحسينات) وورث ابنهما فايز دار جده محمد السعد؛ وتزوجت آمنة من محمد السليمان. أما عبد القادر فليس له عقب. وولد لأسعد ابنه سعد الذي ولدت له ابنتان: نوفة وفضة. وولد لمحمود ولدان: أحمد ومحمد. وقتل أحمد خطأ من بدوي كان له ثأر عند هلال كحلا، فأخذ أخوه محمد أرض هلال دية، وصار من سكان الحصن. ولمحمد عقب من الأبناء: تركي (وتزوج نوفة السعد) وتوفيق وأنيس وونس وطلال.

شيء عن سكان الحصن وما لها

كان في الحصن قبل وصول ابراهيم نصير عائلتا الدويري، ومنهم شيخ القرية، والهزايمة. وقد تزوج ابراهيم من الهزايمة، وصار عديلا للشيخ الدويري. وبعد سنوات صار ابراهيم بن نصير شيخ الحصن، وأخرجت عائلتا الدويري والهزايمة من الحصن. وبعد وقت قصير (ربما حوالي 1760) سكن الحصن آل غنما وأصلهم من الكرك، خرجوا منها هربا من الضغوط، واستقروا مؤقتا في فيق (حوران)، ثم سكنوا الحصن. وجاء بعدهم آل نويصر (أيوب). جاؤوا من عولم قريبا من الناصرة، وأصلهم من اسكي شهر. ويقولون إن جدهم أيوب نويصر بنى مضافة لهم سنة 1780. وعمّر أيوب إلى 110 سنوات. وكان معاصرا لجدي عبد الرحمن. ووجدت في أوراق سلطي باشا بن ايوب بن ابراهيم بن أيوب، أن عبد الرحمن جاء من صما (حيث يوجد فرع للنصيرات)، وقيل له إن أيوب نويصر مات، وكان صديقه، فدخل عليه وهو مسجى مكحلا. فقال عبد الرحمن إنه أزين من يوم ما زفوه من سوم الشناق. وبما كان ذلك حوالي 1850. وبدأ توافد عائلات نصارى للحصن من آل عماري وآل النمري وآل عباسي، وآل سويدان وآل الريحاني وآل عازر وغيرهم، حتى بلغ عدد العائلات ثلاثا وعشرين، مع بداية القرن العشرين. وكانت الحصن أكبر بلدة في لواء عجلون. ويقال إن عدد سكانها سنة 1890 بلغ 3000 بينما بلغ عدد سكان اربد 300. وصدر فرمان بنقل مركز سنجق عجلون إلى الحصن، لكن لم ينفذ، لعدم حماسة اهل الحصن له لأنهم رأوا أن وجود الحكومة يجلب الفساد، ولأن أكثر الموظفين كانت لهم دكاكين مؤجرة، وخافوا أن يفقدوا دخلها.

ذكرنا أن الحصن قديمة. وربما نفهم اسم الحصن من مما كتبه بيركهارت. فعندما جاء من جبل عجلون ووصل إلى المرتفعات غرب الحصن، ونظر إلى الشرق، فإذ بها سهول واسعة تمتد إلى حوران هي خزان الحبوب، وأهراء رومة كما كان يقال. ولا بد من حراسة هذه السهول والقائمين عليها. وهكذا، بنيت قلعة (الحصن بكسر الحاء). وتوضح دفاتر الطابو العثمانية عمران الحصن منذ الحكم العثماني. فقد مرت بها فترات كانت خالية من السكان، وفترات يزيد فيها عدد السكان وينقص، معتمدا على الأمن والأمان. وبما أن الزراعة كانت بدائية طرقها، وأن سكان قرية ما يجب أن يكونوا ذوي لحمة قوية، فقد كانت القرى ذوات أراض غير شاسعة مما يستطيع سكانها حراثته وحمايته. ولهذا كثرت القرى حول الحصن، ولخرابها صارت تسمى “خربة”. ونقول إن الحصن بلعت 13 خربة مما حولها، مثل الطيارة وسعوة وشمشان وراكسة والكفارات (وأخبرني الوالد أنه شاهد في الأخيرة مئذنة مسجدها، ولا تزال آثار لقبورها)،

وكانت الطيارة (عندنا بتشديد الراء)، وفيها الآن إسكان العاملين في جامعة اليرموك، عامرة حتى منتصف القرن التاسع عشر، يسكنها قوم من آل طلفاح. أصيبوا بمرض قاتل (يقال إنه الكوليرا) فمات كثير منهم وهجرها الآخرون وصارت خرابا. وحدثني أبي وغيره، أنهم كانوا يجدون التبن والعلف في طوالات (معالف) مغاراتها.

ذكرنا أن الدولة العثمانية اكتفت في شرق الأردن بإدارة غير مباشرة عن طريق شيخ القرية. على أنها سمحت بقيام إمارات أو ما يشابه ذلك في أجزاء تشمل عدة قرى تسمى ناحية. وفي المنطقة شمال جرش إلى اربد كانت توجد ناحية بني عطية

نعود إلى الحصن واسمها. ونستفيد مما قدمه الأستاذ ركاد نصير. يدعي الأستاذ ركاد أن اسم “مكدي” مذكور في رسائل تل العمارنة، ولم يذكر في أي منها، ولم أستطع أن أتحقق من دعواه. وإن كنتُ غير مقتنع بذلك، لأن الرسائل كانت من حكام أو ملوك لممالك أو ما يقاربها. ولا أظن ان الحصن (مكدي) بلغت ذلك المبلغ. كما يستطرد الأستاذ ركاد إلى مملكة “مقّيدة” المذكورة في الإصحاح العاشر من سفر يشوع. عندما دخل ملكها في حلف مع ملوك أورشليم وحبرون ويرموت ولخيش وعجلون لمحاربة جبعون التي احتلها يوشع وقومه. ولا تذكر خرائط الكتاب المقدس مكان عجلون أو مقيدة. (انظر “الكتاب المقدس”، دار الكتاب المقدس بمصر، ط 2، 1999. وإن كنت لا أقبل الرواية التوراتية فيما يختص بدخول بني اسرائيل أرض فلسطين، وأن ذلك خرافة كبرى، كما أثبت في كتابي “بنو إسرائيل واليهود: الضلالات والحقيقة” ومؤخرا أثبت عدد من الآثاريين في جامعة تل أبيب أن قصة الخروج من مصر وما تبعها لا علاقة لها بالحقيقة). ونحتاج إلى التنقيب الواسع في التل لنعرف أكثر. وقد وجد أحد ابناء العمومة على التل ختم الخنفسة المصري، مما يوحي باتصال قديم مع مصر.

والحصن اليوم حاضرة لواء بني عبيد الذي يضم الآن الحصن والصريح وإيدون والنعيمة وكتم وشطنا ومخيم عزمي المفتي وإسكان العاملين في جامعة اليرموك. وعندما جرى دمج البلديات، باقتراح من وزير البلديات آنئذ د. عبد الرزاق طبيشات، في 2002 جرى ضمها إلى اربد لتصير منطقة داخل اربد الكبرى؛ مخالفا منهجه في الضم. إذ أنه جرى دمج بلديات كل لواء تحت اسم بلدية . . . الجديدة، إلا بلديات لواء بني عبيد (التي هي إداريا مفصولة عن لواء اربد – لواء القصبة)، وذلك من أجل السماح بتمدد اربد للجنوب على حساب الأراضي الزراعية للحصن وإيدون. فبئس القرار. وعلى الرغم من جهودنا وحتى مع الملك عبد الله الثاني لم نستطع أن نفك هذا الارتباط النكد. فقاتل الله من تسبب به ومن يديمه.

وربما كانت مدينة “ديون”، إحدى مدن الديكابوليس. وربما اسم ايدون هو تحريف لهذا الإسم. على أنه لا توجد في ايدون الحديثة آثار تدل على قدمها في التاريخ. وفي الحصن بركة (رومانية كما تسمى) كبيرة نسبيا. كانت الدواب تستقي من مائها العكر حتى أواخر الصيف. وقد تعلم كثير من شباب الحصن (وبعض نسائها) السباحة في مياهها؛ كما غرق فيها عدد من الشباب. وملكية التل تعود إلى عبد الرحمن نصير، ومن ثم ورثته. وقد اشترته دائرة الآثار في العقد الاخير من القرن الماضي (1994). وتجري فيه جامعة اليرموك بعض التنقيبات الأثرية، لكنه يحتاج إلى جهود كثيرة لكشف خباياه. ومن سوء الحظ أن المسلمين استعملوا جزءا منه مقبرة، والمساحة المسجلة وقفا لها لا تتعدى تسعة دونمات. إلا أنها الآن أضعاف ذلك.

خاتمة

هذا موجز لتاريخ الحصن وآل نصير وبعض سكان الحصن، كتبته بما تجمع لدي من روايات شفوية وبعض الوثائق. ولا شك أن الحصن تستحق أن يكتب عنها أكثر، تاريخا وسكانا، ونشاطات، ورجالا، ونساء. فهي لا تزال مدينة فريدة بين مدن الأردن في نواح كثيرة. وآمل أن تحفز هذه الرسالة غيري من أهل الحصن ليكملوا المسيرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى